السلام عليكم و رحمة الله و بركاته مدونة الامام الشهيد حسن البنا ترحب بكم وتتمني لكم قضاء وقت ممتعم والاستفادة من المدونة بقدر كبير ان شاء الله ** سبحان الله وبحمدة سبحان الله العظيم ** طبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة مقعدا نرحب بنقدكم البناء والمدونة في طور التصميم .كما نتشرف بتوقيعكم في سجل الزوار.أخوكم في الله ::محب الاسلام ::......... ..

آخر الاخبار

مشاري العفاسي

You need to upgrade your Flash Player

أضفنا للمفضلة

مدونة الامام الشهيد حسن البنا Headline Animator

بعض الفيديواهات لمؤسس جماعة الاخوان


MusicPlaylistRingtones
Create a playlist at MixPod.com

الثلاثاء، 24 أغسطس 2010

مدخل إلى رسائل الإمام البنا.. دراسة تأسيسية

مدخل إلى رسائل الإمام البنا.. دراسة تأسيسية







الإمام الشهيد حسن البنا


عرض: د. محمد المتولي


لك يا إمامي يا أعز معلم يا حامل المصباح في الزمن العمي


يا مرشد الدنيا لنهج محمد يا نفحة من جيل دار الأرقم


حسبوك مت وأنت حي خالد ما مات غير المستبد المجرم


حسبوك مت وأنت فينا شاهد نجلو بنهجك كل درب معتم


شيَّدت للإسلام صرحًا لم تكن لبناته غير الشباب المسلم


وكتبت للدنيا وثيقة صحوة وأبيت إلا أن تُوقَّع بالدم


لم أجد في افتتاح هذه القراءة لهذا الكتاب الجديد أعلى من هذه الأبيات التي نظمها العلامة الجليل الدكتور يوسف القرضاوي؛ حيث جمعت للإمام أسباب المجد الذي حازه، والتي تمثَّلت في ما شيده للإسلام من صروحٍ جعلته بحق يجدد شباب الأمة الإسلامية في العصر الحديث.






وقصة هذا الكتاب ترجع إلى نحو عام ونصف العام يوم التقيتُ الشيخ الكريم عبد الخالق الشريف، وتناولنا ضمن ما تناولناه من أطراف الحديث عما يلزمنا والذكرى الثمانين لنشأة الحركة التي أرسى دعائمها الأستاذ الإمام حسن البنا؛ مما كان من شأنه تكليفي بالبدء فيما يمثل نقطة انطلاق، فكان مني استكتاب من ترى جهدهم في هذا الكتاب الذي يمثل بداية فقط لما يتصور صنعه نحو هذا الرجل العملاق رحمه الله ورضي عنه.






والكتاب الذي بين أيدينا محاولة أولى للكشف عن القيمة الكبرى للنص المركزي في فكر حسن البنا وحركته الرائدة، وهي محاولة تسعى للتأسيس لنوعٍ جديدٍ من قراءتها مدعوم بما استطاعه الإخوة المشاركون بحديثهم من كشفٍ عن نص مجموعة الرسائل.






غلاف كتاب مدخل إلى رسائل الإمام البنا






والكتاب الذي قام على تحريره الدكتور خالد فهمي، وقدَّم بين يديه بمقدمة طويلة كاشفة عن الموقع العلمي والفكري لشخصية حسن البنا الشيخ عبد الخالق الشريف، يضم البحوث التالية:


1- الفجر يشرق من جديد، للدكتور خالد فهمي.


2- العناصر البلاغية المؤسسة للوضوح في رسائل الإمام البنا، للدكتور إبراهيم عبد الفتاح.


3- أسلوبية الإبلاغ في رسائل الإمام البنا للدكتور مصطفى أبي طاحون.


4- أثر اللغة في البناء الفكري للأصول العشرين للدكتور حمدي بخيت.


5- المرأة المسلمة في ضوء الرسائل للدكتورة أم فاطمة إبراهيم أبي داود.


6- الموقف من الثقافة الأجنبية (على سبيل التمهيد) للأستاذ محمد عبد الرحمن.


7- الثقافة الأجنبية في الرسائل للدكتور أحمد الصياد.


8- الإشارات التاريخية في الرسائل للدكتور كامل عبد الفتاح.


9- قراءة في وعي حسن البنا بالتراث من خلال رسائله للدكتور أحمد طه.


خطر الموقع


وفي تقديمه كشف الأستاذ الشريف عن الموقف العلمي لشخصية الإمام الشهيد، وهو ما كشفه عنه من خلال رسالة علمية تقدَّم بها عنه بعنوان (حسن الإمام البنا محتسبًا)، والاحتساب هو اللفظ القديم الذي يمكن تفسيره بالإصلاح والحركة للإسلام في اللغة المعاصرة.






ويلمس الشريف مسوغات المنزلة العلمية التي يتبوأها الأستاذ الإمام حسن البنا فيما يلي:


أ- التوازن الفكري الذي يتجلى في الاعتراف بقيمة الفرد والدولة في فكره.


ب- العمق الفكري الذي تتمتع به كتاباته في يسر وسهولة ووضوح.


ج- اتحاد الزمان، فهو يعيش عصرنا ويتعاطى مع قضايانا.


د- التشريع بين التنظير والتطبيق.


هـ- سلامة المعتقد الذي يصدر عنه فكره.


و- الانطلاق من أرضية علمية أصيلة في العلوم الشرعية (التفسير والحديث والأصول) والعلوم العربية (نحو أو بلاغة أو معجم إلخ) والعلوم الواقعية (من الخبرة بواقع الأمة وتاريخها).






ز- الإيمان والعمل العالمية الفكرة تطبيقًا لمفهوم عالمية الإسلام وعالمية حقائقه.


التأسيس الواعي


وفحْصُ مجموعة الدراسات التي تقدَّم بها أصحابها في هذا الكتاب المدخلُ يكشف عن الغرض منها، والمتمثل في وضع علاماتٍ تُعين على تمثُّل حقائق الرسائل وتعين على إدراك المفاهيم الكبرى التي تضمنتها، وهو ما ظهر في عنوان هذا الكتاب في عبارة (دراسة تأسيسية).






وقد كشفت هذه الدراسات جميعًا عن شيءٍ لا مبالغةَ فيه، وهو أن هذا النص المركزي- أعني مجموعة رسائل الإمام البنا- نصٌّ فارقٌ في تاريخ الحركة الإسلامية المعاصرة، وأنه لم يزل بكرًا لم يُستثمر الاستثمار اللائق به، إنني يمكن أن أقرر من غير شططٍ إنه نصٌّ لم يُكتشف بعد!.






وأنه لم يتوقف أمامه بالقدر الكافي الذي تُمثله أهميته، كما أنه لم يُستثمر الاستثمار الأمثل على طريق حسم كثيرٍ من المشكلات الفكرية التي تواجه العمل الإسلامي في المعاصر من داخله أو من خارجه.






ويلفت الدكتور خالد فهمي في مقدمته التي صنعها باعتبار محرر الكتاب عن حاجة الرسائل إلى الدراسات التأسيسية التالية:


أ- دراسة مصادر الرسائل لتقييم صلة الإمام البنا بالمصادر الإسلامية الأصيلة وللكشف عن مكانه الجديد.






ب- معجم مصطلحات العمل الإسلامي من خلال الرسائل.


ج- تحقيق نص جامع شامل للرسائل وفق الأصول العلمية لعلم تحقيق النصوص.


أما عن البحوث فقد تناولت مناطق متنوعة وإن اعتنت عنايةً ظاهرةً بالكشف عن خصائص الرسائل الأسلوبية والبلاغية واللغوية في المقام الأول باعتبارها نصًّا لغويًّا دعويًّا في المقام الأول.






فكشف خالد فهمي انطلاقًا من فكرة أساسية حاكمة هي النظر إلى الرسائل من زاوية كونها نصًّا أو مسألة هدفها البلاغ عن خصائصها التي تتمتع به على مستوى البناء اللغوي من خلال معجمها وتراكيبها ليقرر بعد اختباراتٍ أن نص الرسائل نصٌّ واضح محدد دقيق في غير خصامٍ من القيم الجمالية.






وهو الخيط الذي التقطه إبراهيم عبد الفتاح ليقيس من خلاله بلاغة الرسائل من خلال المحاور الاستعارية والتشبيهية والتضمينية.






ويكمل مصطفى أبو طاحون الدائرة بما كتبه من دراسةٍ أسلوبيةٍ قامت على رصد الوسائل التعبيرية التي استعملها الإمام البنا وحددت أسلوبية رسائله، وهي:


1- التناجي (تداخل النصوص) في رسائل الإمام البنا.


2- الإنشاء.


3- التكرار (الأفقي التوكيدي/ الرأسي).


4- التوازن.


5- الصورة.


الإشارات التاريخية


وفي ورقته يكشف كامل عبد الفتاح عن توظيف الإشارات التاريخية في الرسائل ليكشف عن وجه مسكوت عنه هو امتداد خلف قراءة هذه الإشارات التاريخية في هذه المجموعة من الرسائل.






ثم تأتي ورقة حمدي بخيت عمران لتبرهن تلازم اللغة والدين وأثر هذا التلازم من ضرورةِ التضلع من علوم اللغة لمفكري الإسلام ودعاتها المعاصرين، وهو ما أخضعه حمدي بخيت للفحص ليكشف من خلاله ملاحظة أثر اللغة إلى أن الإمام البنا وإن كان مجددًا فإنه لم يُبدع من القول بل إن ما قاله متواتر الذكر في أدبيات العلماء الثقات عبر تاريخ العلم عند المسلمين.






وفي ورقتين متكاملتين التفت محمد عبد الرحمن ممهدًا الطريق بين يدي ورقة أحمد الصياد انفتاح البنا على الآخر وثقافته دون انبهارٍ أو اتهام، وهي الرؤية الوسطية الحاكمة للأمة في عصور ازدهارها الحضاري، وهو ما تمثَّل في توظيف البنا لروافد هذه الثقافة الأجنبية في تجلياتها المختلفة تاريخيًّا وأدبيًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا، لقد كشفت هاتان الورقتان عن شيءٍ عجيب في خلفية الرسائل أنها تمثَّلت المنجز الفكري الغربي، واتخذت منه موقفًا نقديًّا حينًا وموقفًا مستفيدًا حينًا آخر؛ مما يعكس تعالي البنا على عصور الانهيار التي تدفع صاحبها بما يُسمَّى في علم الاجتماع بالتوحد أو رفض ثقافة الآخر كنوعٍ من أنواع المقاومة، وحماية الذات.






ولم يغفل الكتاب بيانَ موقف الرسائل من المرأة التي كشفت عن موقفٍ نبيلٍ وعميقٍ وإسلامي حقيقي من قضيتها باعتبارها نفسًا لها الحق في المشاركة في بناء الأمة الإسلامية، وهو الموقف الذي ينبغي تأمله جيدًا في التوقيت الذي صدرت فيه أفكار هذا الرجل في الثلث الأول من القرن الميلادي العشرين!.






إن مجمل أوراق هذا الكتاب (المدخل) يسعى إلى أن يدلل على أن إعادة قراءة الرسائل، وإعادة فحص منجزها الفكري والدعوي والتربوي بات ضرورةً حيويةً للعمل الإسلامي.






وقد كشف هذه الدراسات التأسيسية عن شيءٍ آخر مهم جدًّا إلى القرآن والسنة وهو أن القول بأن الرسائل تعد نسخةً معاصرةً لكيفية الرجوع إلى القرآن والسنة أمرٌ صحيحٌ إلى أبعد غاية.






ومن هذه الزاوية حاول هذا الكتاب (المدخل) أن يُثير الانتباه ويُوجِّه الأنظارَ إلى القيمة الحقيقية الكامنة خلف مجموعة الرسائل التي تُمثِّل فهمًا عصريًّا لطبيعة القرآن الكريم، وفهمًا عصريًّا لطبيعة الدعوة الإسلامية.






رحم الله الإمام البنا، وألهم أبناءه الرشد، وأعانهم على خدمة الإسلام.
تابع القراءة ....

الرد علي مسلسل الجماعة 7 (( حازم شومان ))



حازم شومان - افتحلي قلبك - الرد على مسلسل الجماعة









تابع القراءة ....

مسلسل الجماعة والردود عليها 6 (( ماذا لو غاب الإخوان؟ ))



من الفوائد التى قدمها وحيد حامد بمسلسله الجماعة وهو لا يدرى تلك الحالة من الحديث عن الإخوان والبحث عن مذكرات الإمام حسن البنا هذه مقالة الجميل فيها أنها تأتى من صحفى لا ينتمى للإخوان وهو الأستاذ قطب العربى والمقالة نشرت أيضا بموقع اليوم السابع البعيد كل البعد عن أى اتهام حتى بالقرب من الإخوان وإليكم المقالة :



في ليلةٍ رمضانية وبعد مشاهدتي لأكثر من عشر حلقات من مسلسل الجماعة، جلستُ أفكر هل وجود الإخوان أمر مهم لمصر والعالم الإسلامي؟ وهل هذا الوجود ضرورة فعلية للدعوة الإسلامية؟ ألا يمكن أن يقوم بدورهم الأزهر والجمعيات والجماعات الدينية الأخرى؟ هل أضافوا شيئًا لتدين الشعب المصري؟ وهل إذا غابوا أو اختفوا عن الساحة يتعرض الإسلام لمصيبة كبرى؟ وماذا قدموا للأمة الإسلامية ولقضاياها الكبرى السياسية والاقتصادية والاجتماعية مثل قضية فلسطين والفقر والجهل والمرض؟ وهل كسبت مصر شيئًا بجماعتهم أم أنها خسرت كثيرًا؟ وهل تركوا أية بصمات إيجابية على المجتمع المصري الذي نشأوا وترعرعوا فيه أم تركوا بصمات سلبية؟ هل تحسنت أخلاقيات الشعب بسبب دعوتهم أم ازدادت سوءًا؟ هل كان من الأفضل أن يقتصروا على الدعوة وتربية المجتمع تربية إسلامية؟ أم الأفضل أن ينخرطوا أيضًا في العمل السياسي؟ هل يشعر الناس فعلاً بدور الإخوان المسلمين سواء الدعوي أو الخدمي أو السياسي؟ أم أن الفائدة تقتصر على أفراد الجماعة فقط؟


أسئلة كثيرة بعضها ربما مكرر وبعضها متداخل مع البعض الآخر، وبعضها يفتح الباب لتساؤلات أخرى، لكن التعرض لها جميعها أو غالبيتها سيعطي فكرة أوضح عن هذه الجماعة التي أصبحت مادة إلزامية على كل وسائل الإعلام سواء المحبة أو الكارهة لهم، فكل مَن يريد انتشارًا واسعًا وتوزيعًا كثيفًا لا بد أن يتعرض للإخوان إن بالخير أو بالشر، ومعظم الحكومات العربية والإسلامية تتوجس منهم خيفةً وتنكل بهم وتفتح خزائنها لمن يهاجمهم.


حين أسس حسن البنا جماعة الإخوان في الإسماعيلية في العام 1928م كان ذلك بعد سقوط دولة الخلافة الإسلامية في تركيا على يد الكماليين، وكانت مصر ترزح تحت الاستعمار البريطاني الذي نجح في إحلال الكثير من عادات وقيم وأخلاقيات المجتمعات الغربية في المجتمع المصري، كانت دور البغاء مصرحًا بها بشكلٍ رسمي ولها مقار معروفة يتردد عليها من يريد تحت حماية الدولة وكانت محال بيع الخمور والحانات تنتشر في كل مكان بشكل علني وقانوني، وكانت المساجد تشكو الهجر ولا يؤمها إلا الطاعنون في السن، وكانت المحاكم الحديثة لا تحتكم للشريعة الإسلامية بل لقوانين المستعمر، كان الجهل والأمية هما سمة غالبية المصريين الذين كان مستحيلاً على غالبيتهم الذهاب للمدارس والجامعات،


كانت الأمراض توقع مئات الموتى والمصابين سنويًّا بل شهريًّا دون أن يتمكن المواطنون من الذهاب إلى مستشفى أو عيادة طبيب، وفي الشأن السياسي كانت قيادة الدولة المصرية ممثلة في الملك وغالبية الأحزاب تأتمر بأوامر الإنجليز المستعمرين، وتتناحر فيما بينها على الفتات دون أدنى اهتمام بهموم ومصالح الشعب، وكانت فلسطين تتعرض لحرب عصابات للسيطرة عليها تطبيقًا لوعد بلفور المشئوم، في ظل هذه الأجواء نشأت جماعة الإخوان بهدف إعادة إحياء القيم والسلوكيات والقوانين والوحدة الإسلامية التي دمرها المستعمر وأعوانه من المستغربين، ومن وصفوا أنفسهم بالعلمانيين والليبراليين الذين سيطروا على وسائل الإعلام والتثقيف وسخروها للترويج لقيم المستعمر وسلوكياته بدعوى أن ذلك هو السبيل الصحيح للتقدم والرقي.


حين نشأت جماعة الإخوان لم تكن هي الوحيدة التي تتحدث باسم الإسلام فقد كان هناك الأزهر الشريف، وإلى جانبه كانت هناك جمعيات دينية مثل الجمعية الخيرية الإسلامية التي تأسست بعد 10 سنوات من دخول الاحتلال الإنجليزي أي سنة 1892م على يد الشيخ محمد عبده وسعد زغلول وطلعت حرب، والجمعية الشرعية التي أسسها الشيخ محمود خطاب السبكي في العام 1912م، وكانت هناك جمعيتان كبيرتان تأسستا قبل عام أو عامين من تأسيس الإخوان هما جماعة أنصار السنة المحمدية التي أسسها العالم الأزهري محمد حامد الفقي في العام 1926م وجمعية الشبان المسلمين التي تأسست عام 1927م، وإلى جانب هذه الجمعيات كانت هناك الطرق الصوفية المختلفة، أي أن الساحة الدينية كانت مليئة بالجمعيات والمؤسسات الدعوية، لكن الحقيقة أن هذا الحشد الديني لم يكن كافيًا لمواجهة ما زرعه الاستعمار في مصر، وما حل بالأمة الإسلامية من نكبات بعد سقوط الخلافة، فالأزهر الشريف هو مؤسسة علمية في المقام الأول، رغم أنه قام بأدوار مقدرة على الصعيد السياسي والاجتماعي.


والجمعيات الدينية الإسلامية تخصصت كل واحدة منها في فرع من الفروع وركزت نشاطها فيه، ولم يكن مسموحًا لها بحكم القانون العمل بالسياسة والشأن العام، والطرق الصوفية شارك أغلبها في تسطيح وعي الشعب ونشر البدع والخرافات بينه، وصرفه عن مقاومة الاستعمار.


من هنا جاءت جماعة الإخوان بدعوة شاملة لكل مناحي الإسلام من دعوة وتربية وتعليم ورياضة وسياسة واقتصاد وقانون في محاولةٍ لإصلاح الخلل الذي لحق بهذه النواحي جميعًا على أسس إسلامية.


بدأت الجماعة عملها كما هو معروف في الإسماعيلية التي كانت في حينها مقرًّا لقوات الاحتلال الإنجليزي ولشركة قناة السويس الإنجليزية الفرنسية، وكانت الإسماعيلية هي الأكثر تأثرًا بالقيم الأوروبية التي جلبها المستعمر والمخالفة في كثيرٍ منها للدين الإسلامي، وكان على دعوة الإخوان أن تدخل معركةً مبكرةً مع هذه القيم الوافدة الغريبة عن المجتمع المصري ونجحت الجماعة في ذلك حين قلصت أو أنهت بيوت البغاء وعمرت المساجد، وحاربت عربدة الجنود الإنجليز المخمورين، وأسست مدارس لمنح جرعة أكبر من التربية الإسلامية، ثم انتقل مقر الجماعة الرئيسي إلى القاهرة لاحقًا، ليشرف على مئات بل آلاف الشعب (لجان لإخوان) المنتشرة في قرى ومدن مصر من أقصى الصعيد وحتى شمال الدلتا ومن مدن القناة وحتى الحدود الغربية، وزاد عدد أتباعها إلى الحد الذي دفع كاتبًا بحجم إحسان عبد القدوس لكتابة مقال بعنوان "الرجل الذي يتبعه نصف مليون"، وكان حديث الثلاثاء في مقر المركز العام في الحلمية (مقر قسم شرطة الدرب الأحمر حاليًّا) يجتذب آلاف المصريين في مشهد يمتد حتى باب الخلق- حسبما وصفته مؤخرًا إحدى ساكنات ذلك الحي في ذلك الوقت الكاتبة الكبيرة نعم الباز.


من الواضح أن الجماعات والجمعيات الدينية التي كانت قائمةً في مصر في ذلك الوقت لم تكن كافيةً لمواجهة الغزو الثقافي والاجتماعي الغربي، ولم تكن قادرةً على مواجهة موجة التحلل القيمي في المجتمع، أو مواجهة حال التفكك في الأمة الإسلامية، والتهديدات المتتابعة للدين الإسلامي والعقيدة الإسلامية؛ وذلك بسبب اقتصار تلك الجماعات والجمعيات على جزئيات بعينها أو نشأتها في أحضان النخبة، وكبار الباشاوات والإقطاعيين الذين كانت مصالحهم تحول دون القيام بأدوار كبرى ومؤثرة، ومتعارضة بشكلٍ سافر مع الاستعمار وأعوانه، ومن هنا جاء المنهج الجديد للإخوان بشموليته التي تجمع بين الدين والدنيا، والعقيدة والشريعة، والمصحف والسيف (في إشارةٍ إلى التقوى والجهاد)، وهو أمر لم يكن معهودًا من قبل إلا في كتابات بعض رموز الإصلاح مثل محمد عبده، ورشيد رضا، والأفغاني،


لكن مشكلة هؤلاء الرواد أنهم كانوا أفرادًا، وكان لهم مريدون، لكنهم لم يتحولوا إلى عمل جماعي منظم يحمل هذه الأفكار، ويمشي بها بين الناس، ويدعو إلى تطبيقها، ويضع الخطط والموارد اللازمة للتطبيق، وهو ما يذكرنا بالفقيه المصري العظيم الليث بن سعد الذي قال عنه الإمام الشافعي: "الليث أفقه من مالك، إلا أن أصحابه لم يقوموا به"، وفي رواية: "إلا أنه ضيعه أصحابه"، في إشارةٍ إلى عدم قيام هؤلاء الأتباع بحمل مبادئ وتفاصيل المذهب ونشرها بين الناس، والعكوف على شرحها وتطويرها وكتابة المؤلفات في ذلك، كما فعل بقية تلاميذ الأئمة الآخرين الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل، وربما تنبه حسن البنا إلى هذه التجربة فأراد أن يتجنب تلك الأخطاء، فكان أن حمل أفكار محمد عبده والأفغاني ورشيد رضا وطورها، وكوَّن لها جماعةً تسعى بها وتنشرها، وربما لولا ذلك ما كُتب لتلك الأفكار أن تظل خالدةً أو أن تصل إلينا.


لقد نقل الإخوان بالفعل العمل الإسلامي الحديث من خانة الجزئيات إلى خانة الشمول، ومن فقه الوضوء والحيض والنفاس إلى فقه الجهاد ومحاربة المنكرات، والتعامل مع قضايا العصر، وقدموا منهجًا جديدًا في الدعوة والإصلاح، انتقل إلى الجماهير في مواقع جديدة غير المساجد، وقدَّم نماذج جديدة للدعاة من غير رجال الأزهر، كما قدَّم نموذجًا جديدًا لأفراد يذهبون إلى أعمالهم ووظائفهم في الصباح، ثم تجدهم في ملاعب الرياضة، ومنها ينتقلون إلى المساجد، ولا يمنعهم ذلك من القيام بواجباتهم الاجتماعية الأخرى في المجتمع المحيط بهم، وساهم بذلك بجهد كبير في الحفاظ على الهوية الإسلامية للمجتمع المصري التي تعرَّضت لطعنات قوية على يد الاستعمار وأعوانه، وتمكنت دعوة الإسلام من إعادة الاعتبار لحجاب المرة المسلمة بعد أن كان يُنظر إليه باعتباره مظهرًا من مظاهر التخلف الحضاري ورمزًا للريفيات فقط، وبلغ النجاح ذروته باعتبار الحجاب في الوقت الحالي الزي الشعبي لغالبية المصريات.


كما خرَّجت مدارس الإخوان آلاف الطلاب الأكثر التزامًا بقيم وسلوكيات دينهم، ونَشَرَ طلاب الإخوان الأخلاق الإسلامية في الجامعة بعد أن كان يُنظر إلى المتدينين نظرة سلبية بوصفهم "أريافجية" وبعد أن كان الباحث عن مجرد فتاة محتشمة كالباحث عن إبرة في كوم قش، كما كان لمدارس الإخوان ومساجدهم وأفرادهم دور كبير في محاربة الأمية، ونجحت مستشفياتهم ومراكزهم الطبية في تقديم العلاج الاقتصادي لآلاف بل لملايين المصريين من خلال حوالي 25 فرعًا للجمعية الطبية الإسلامية، ناهيك عن عشرات بل مئات المستوصفات الملحقة بالمساجد، ورغم أن الإخوان لم يتعاملوا بعنف مع حانات الخمور التي انتشرت في بر مصر في الثلاثينيات والأربعينيات كما فعلت حركة مصر الفتاة إلا أنهم أسهموا بقدر كبير في دفع هذه الحانات لإغلاق أبوابها بعد أن هجرها روادها المتأثرون بالدعوة الإسلامية، وكان للإخوان دورٌ كبير في مواجهة حملات التبشير التي كانت جزءًا من الاستعمار، ونبهت الشعب لخطورة هذه الحملات، ولاحقت المبشرين أينما ذهبوا في قرى مصر ومدنها.


ووقف الإخوان ضد مظالم الملك وسفاهاته حتى دفع مؤسس الجماعة حياته ثمنًا لهذه المواقف حين رتَّب الملك عملية اغتياله في شارع رمسيس، كما حاربوا مظالم الإقطاع وحرصوا على تجنيب دعوتهم لهيمنة الكبراء، وظلوا حريصين على التواجد بين صفوف الفقراء والبسطاء، ولعلَّ نظرةً واحدةً على بداية تأسيس جماعتهم تؤكد هذا المعنى، إذ كان المؤسسون الأوائل مع البنا هم من فئة العمال والحرفيين.


وأعطى الإخوان قضية فلسطين اهتمامًا خاصًّا في وقت برر فيه رئيس وزراء مصر تخاذله عن تلك القضية بأنه رئيس وزراء مصر وليس رئيس وزراء فلسطين!!، وجاب مندوبو الجماعة أرجاء القطر المصري يجمعون التبرعات لمجاهدي فلسطين، بل وتطوع عددٌ كبير منهم للقتال في فلسطين، وقاموا بعمليات بطولية، وهو ما أكده لي شخصيًّا العديد من القادة القدامى الذين شاركوا في حرب فلسطين، وكان منهم الفريق فؤاد عزيز غالي، واللواء عبد المنعم خليل قائد الجيش الثاني الميداني إبان حرب أكتوبر، بل إنهم قدَّموا أعظم عطاء للقضية الفلسطينية من خلال فرعهم في فلسطين، وهي حركة حماس التي قادت المقاومة ضد الاحتلال حتى يومنا هذا إلى جانب شقيقاتها في حركات المقاومة الفلسطينية الأخرى.


وحين عاد الإخوان للحياة العامة بعد تغييبهم في السجون لسنوات طويلة في الحقبة الناصرية، وكانت مصر قد تعرضت مرة أخرى لهجمة إباحية تغريبية أخرى جاءت هذه المرة من قبل المعسكر الشيوعي وأنصاره في الداخل عاد الإخوان مرة أخرى لممارسة دعوتهم حفاظًا على الهوية الإسلامية للمجتمع، ورعت قيادتهم براعم الصحوة الإسلامية في الجامعات منذ منتصف السبعينيات، حتى عاد الوجه الحضاري الإسلامي لمصر رغم أنف التغريبيين، وحين تخرج هؤلاء الطلاب الجامعيون حملوا الدعوة إلى مدنهم وقراهم ودخلوا بها إلى ساحات العمل العام مثل النقابات والنوادي، كما امتدت أيادي البذل والعطاء إلى الكثير من الفقراء والمحتاجين عبر العديد من أعمال البر، ووصلت أصداء دعوة الإصلاح إلى أماكن لم تصلها من قبل، ولعل أبرزها مجلسي الشعب والشورى والمحليات والنوادي والنقابات.


نعود إلى عنواننا الرئيسي ماذا لو غاب الإخوان؟ وهل ستخسر مصر والأمة الإسلامية بغيابهم؟ عليك أن تتخيل بعد كل هذه الجهود في إصلاح المجتمع ونشر القيم الإسلامية فيه ومواجهة حملات التغريب والتخريب المنظمة كيف سيكون الحال لو اختفى الإخوان تحت أي ظرف من الظروف؟ لن نبالغ أبدًا وندعي أن الإسلام سيموت، فقد كان الإسلام قائمًا قبل دعوة الإخوان، وسيظل قائمًا بهم أو بغيرهم، ولكن هل تستطيع أيٌّ من الجمعيات والجماعات الإسلامية القائمة مواجهة مخططات التغريب والتخريب للهوية والقيم ولوحدة الوطن والأمة كما يفعل الإخوان؟ ومن يستطيع مواجهة ظلم وتعسف النظام، وانتهاكه للقيم والقانون- حتى وإن لم يمنعوه تمامًا من ذلك الظلم- كما يفعل الإخوان؟ ومن الذي يمثل رعبًا دائمًا للفاسدين والمستبدين والتغريبيين أكثر من الإخوان؟ إذن هي تساؤلات تجيب على تساؤلات والمجال مفتوح لمزيد من الاجتهادات.
تابع القراءة ....

مسلسل الجماعة والردود عليها 5 (( تأسيس جماعة الإخوان المسلمين والرواية الحقيقية لسفر الإمام البنا إلى الحجاز ))


نواصل عرض بعض الروايات التى جاءت فى مسلسل الجماعة عن الإمام حسن البنا رحمه الله وذالك من كتاب مذكرات الدعوة والداعية لأن روايات وحيد حامد إما أنها مبتورة لغرض ما أو ملفقة حتى الروايات الصحيحة جاءت فى المسلسل مفسرة بتفسيرات لا يحتملها الموقف اليوم مع الرواية الحقيقية لتأسيس جماعة الإخوان المسلمين :



بعد استعراض لبعض الأحداث التى مرت بالشيخ حسن البنا فى الإسماعيلية و جهوده الدعوية فى المقاهى والمساجد قال الشيخ البنا :


وفي ذي القعدة سنة 347 1 هـ، مارس سنة 28 9 1 م – فيما أذكر – زارني بالمنزل أولئك الإخوة الستة: حافظ عبد الحميد، أحمد الحصري، فؤاد إبراهيم، عبد الرحمن حسب الله، إسماعيل عز، زكي المغربي، وهم من الذين تأثروا بالدروس والمحاضرات التي كنت ألقيها، وجلسوا يتحدثون إلي وفي صوتهم قوة، وفي عيونهم بريق، وعلى وجوههم سنا الإيمان والعزم، قالوا: “ لقد سمعنا ووعينا، وتأثرنا ولا ندري ما الطريق العملية إلى عزة الإسلام وخير المسلمين، ولقد سئمنا هذه الحياة: حياة الذلة والقيود، وها أنت ترى أن العرب والمسلمين في هذا البلد لا حظ لهم من منزلة أو كرامة وأنهم لا يعدون مرتبة الأجراء التابعين لهؤلاء الأجانب ونحن لا نملك إلا هذه الدماء تجري حارة بالعزة في عروقنا،


وهذه الأرواح تسري مشرقة بالإيمان والكرامة مع أنفسنا، وهذه الدراهم القليلة، من قوت أبنائنا، ولا نستطيع أن ندرك الطريق إلى العمل كما تدرك، أو نتعرف السبيل إلى خدمة الوطن والدين والأمة كما تعرف، وكل الذي نريده الآن أن نقدم لك ما نملك لنبرأ من التبعة بين يدي الله، وتكون أنت المسئول بين يديه عنا وعما يجب أن نعمل، وإن جماعة تعاهد الله مخلصة على أن تحيا لدينه، وتموت في سبيله، لا تبتغي بذلك إلا وجهه، لجديرة أن تنتصر، وإن قل عددها وضعفت عددها”.


كان لهذا القول المخلص أثره البالغ في نفسي، ولم أستطع أن أتنصل من حمل ما حملت، وهو ما أدعو إليه وما أعمل له، وما أحاول جمع الناس عليه، فقلت لهم في تأثر عميق: “ شكر الله لكم وبارك هذه النية الصالحة، ووفقنا إلى عمل صالح، يرضي الله وينفع الناس، وعلينا العمل وعلى الله النجاح فلنبايع الله على أن نكون لدعوة الإسلام جندا، وفيها حياة الوطن وعزة الامة !.


وكانت بيعة وكان قسما أن نحيا إخوانا نعمل للإسلام ونجاهد في سبيله.


وقال قائلهم: بم نسمي أنفسنا؟ وهل نكون جمعية أو ناديا، أو طريقة أو نقابة حتى نأخذ الشكل الرسمي؟ فقلت: لا هذا، ولا ذاك،دعونا من الشكليات،ومن الرسميات، وليكن أول اجتماعنا وأساسه: الفكرة والمعنويات والعمليات نحن إخوة في خدمة الإسلام، فنحن إذن” الإخوان المسلمون.”. وجاءت بغتة وذهبت مثلاً وولدت أول تشكيلة للإخوان المسلمين من هؤلاء الستة: حول هذه الفكرة، على هذه الصورة وبهذه التسمية.


صور وحيد حامد فى مسلسل الجماعة هؤلاء النفر الستة الذين كانوا نواة جماعة الإخوان المسلمين بالسذج وكلهم حرفيين وبالرغم من أن عمل هؤلاء الستة لم أعثر عليه سواء فى مذكرات الدعوة والداعية أو غيره من الكتب الموثقة إلا أن هذا العمل الحرفى لا يعيب أصحابه فى شىء وسبحان الله تذكرت قول الله عز وجل فى سورة هود فى قصة سيدنا نوح : ولا أقول للذين تزدرى أعينكم لن يؤتيكم الله خيرا !!


ثم تشاورنا في مكان الاجتماع وما نعمل فيه، واتفقنا أخيرا على أن نستأجر حجرة متواضعة في شارع فاروق في مكتب الشيخ علي الشريف بمبلغ 60 قرشا في الشهر نضع فيها أدواتنا الخاصة ونجتمع فيها اجتماعاتنا الخاصة، على أن يكون لنا حق الانتفاع بأدوات المكتب بعد انصراف التلاميذ ابتداء من العصر إلى الليل ويسمه هذا المكان”مدرسة التهذيب” للإخوان المسلمين، ويكون منهاجه دراسة إسلامية قوامها تصحيح تلاوة القرآن بحيث يتلوه الأخ المنتسب إلى هذه المدرسة. وبالتالي إلى الدعوة وفق أحكام التجويد ثم محاولة حفظ آيات وسور ثم شرح هذه الآيات والسور وتفسيرها تفسيراً مناسبا


ثم حفظ بعض الأحاديث وشرحها كذلك. وتصحيح العقائد والعبادات وتعرف أسرار التشريع وآداب الإسلام العامة. ودراسة التاريخ الإسلامي وسيرة السلف الصالح والسيرة النبوية. بصورة مبسطة تهدف إلى النواحي العملية والروحية. وتدريب القادرين على الخطابة والدعوة تدريبا علميا بحفظ ما يستطاع من النظم والنثر، ومادة الدعوة وعمليا بتكليفهم التدريس والمحاضرة في هذا المحيط أولا. ثم في أوسع منه بعد ذلك. وحول هذا المنهاج تربت المجموعة الأولى من الإخوان المسلمين الذين بلغوا في نهاية العام المدرسي” 27 9 1 – 28 9 1” سبعين أو أكثر قليلاً. ولم يكن هذا المنهاج التعليمي هو كل شيء.


فقد كانت معاني التربية العملية التي تتفاعل في أنفسهم بالمخالطة والتصرفات الواقعية والود والمحبة فيما بينهم، والتعاون الكامل في شئون حياتهم، وتهيؤ نفوسهم لما في ذلك من خير أقوى العوامل في تكوين هذه الجماعة.


كان هؤلاء الإخوة مثلا رائعا ونماذج طيبة من التمسك بأحكام الإسلام الحنيف في كل تصرفاتهم، والتأثر بأخلاقه ومشاعره فيما يصدر عنهم من قول أو عمل، سواء أكان ذلك مع أنفسهم أو مع غيرهم من الناس.


ويمكن أن تتابع نماذج عملية من هؤلاء الإخوة ومواقف رواها الإمام البنا هنا


أما قصة إنتداب الإمام البنا للتدريس فى الحجاز والتى أستغلها وحيد حامد بالإشارة الخبيثة بالتمويل السعودى السلفى لجماعة الإخوان فهذه هى الرواية :


لم تنقطع صلتي بجمعية الشبان المسلمين طوال هذه الفترات فكنت أبعث إليها بكثير من التقارير والملاحظات، وكان القائمون عليها يشعرون تمام الشعور بهذه الصلة الروحية التي تربطنا رغم البعد عن القاهرة ومن ذلك أن فضيلة الشيخ حافظ وهبة مستشار جلالة الملك ابن آل سعود حضر إلى القاهرة رجاء انتداب بعض المدرسين من وزارة المعارف إلى الحجاز ليقوموا بالتدريس في معاهدها الناشئة، وكانت الحكومة المصرية لم تعترف بعد بالحكومة السعودية تنفيذا للسياسة الإنجليزية التي تفرق دائماً بين الأخوين، على حين كان الشعب المصري بأسره يستنكر هذا الوضع الشاذ،


وكانت الطبقة المثقفة ترى في نهضة الحجاز الجديدة أملاً من آمالها وأمنية من أمانيها، فاتصل الشيخ حافظ وهبة بجمعية الشبان المسلمين لتساعده في اختيار المدرسين، فاتصل بي السيد محب الدين الخطيب وحدثني في هذا الشأن فوافقت مبدئيا


ثم يقول الشيخ حسن البنا :


وفي الموعد التقينا وكان أهم شرط وضعته أمام فضيلة الشيخ حافظ ألا أعتبر موظفا يتلقى مجرد تعليمات لتنفيذها، بل صاحب فكرة يعمل على أن تجد مجالها الصالح في دولة ناشئة هي أمل من آمال الإسلام والمسلمين، شعارها العمل بكتاب الله وسنة رسوله وتحري سيرة السلف الصالح وأما ما عدا ذلك من حيث المرتبات والامتيازات المادية وما إليها فلم أجعله موضع حديث فيما بيننا،


أنظروا بالله عليكم للنية الصادقة فى السفر للحجاز وعدم التفات الإمام البنا للأموال والرواتب سبحان الله كيف تحكمون


ثم يقول الشيخ البنا : وقد أظهر سروره لهذه الروح ووعدني أنه سيقابل وزير الخارجية ويتفاهم معه في هذا الشأن ويفيدني وعدت إلى الإسماعيلية فكتب إلي فضيلته بتاريخ 12 نوفمبر سنة 1928 هذا الخطاب: “ عززي الأستاذ حسن البنا: تحية واحتراما وبعد: فقد قابلت اليوم صاحب المعالي وزير الخارجية وتكلمت معه فيما يتعلق بمسألتكم فأخبرني بأنه يرى من المستحسن مقابلتكم معه كي يسلمكم خطابا لوزير المعارف الذي هو على أتم استعداد لمساعدتكم ومساعدة كل من يريد السفر من الموظفين. وتقبلوا فائق احترامي”..


وحضرت من الإسماعيلية وقابلت مع فضيلته وزير الخارجية الذي اتصل بوزير المعارف وأظنه كان حينذاك أحمد باشا لطفي فلم يجده وعدت إلى الإسماعيلية وواصل الشيخ حافظ مساعيه ولكنه لم ينجح إذ وقفت أمامه عقبة عدم الاعتراف بحكومة الحجاز. وكتبت إليه أستوضحه ما وصل إليه فكتب إلى بعد الديباجة” السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد فإني أهدي إليك أعظم احتراماتي: لقد تناولت بيد السرور كتابكم الكريم وإني لآسف أشد الأسف على إجابة وزارة المعارف بالرفض بعد تأكيد معالي وزير الخارجية ووزير المعارف لعبد الحميد بك سعيد، وإنني سأواصل المسعى وأسأل الله أن يوفق الجميع لما فيه رضاه، إني أشكرك من صميم قلبي على شريف إحساسك ونبيل عواطفك نحوي، هذا وتقبل فائق احترامي”.


وطبعاً لم تسفر هذه المساعي عن شيء وظللت بالإسماعيلية، وانتدب لهذه المهمة الزميل الفاضل الأستاذ إبراهيم الشورى فقام بها خير قيام ولعل في هذا الاستعراض الطريف ما يدلنا على مبلغ ما كنا فيه وما صرنا إليه إذ أصبحت الحكومة المصرية تبعث بمندوبيها في كل بلد من بلدان العالم العربي والإسلامي، وبلغ التعاون الثقافي هذا الحد المطمئن والحمد لله.


لم أرى إفسادا لهذا العمل النبيل والهادف لخدمة دين الله عز وجل كما فعل وحيد حامد فى مسلسله الجماعة


أواصل عرض صفحات من مذكرات الإمام البنا تدوينة قادمة إن شاء الله


الصورة الملحقة صور للمكتب الخاص للإمام البنا وتأمل تواضع المكتب هذا هو من صوره وحيد حامد بالرغبة فى جمع الأموال و الإستفادة من أموال الحجازيين
تابع القراءة ....

مسلسل الجماعة والردود عليها 4 (( موضوع إنشاء كتبه الإمام البنا وهو طالب ))



أبلغ رد على الصورة الهزلية التى صورها وحيد حامد للإمام البنا فى مسلسله الهزلى الجماعة موضوع تعبير أو إنشاء كتبه الشيخ حسن البنا وهو طالب وأنقل هذا الجزء من مذكرات الدعوة والداعية :



كان أستاذنا الشيخ أحمد يوسف نجاتي -جزاه الله خيراً- مغرماً بالموضوعات الدسمة بالإنشاء، وله معنا نكات وتعليقات ظريفة طريفة في هذه المعاني. ومن كلماته المأثورة، حين كان يمل تصحيح هذه المطولات، أن يقول، والكراسات على يده ينوء بحملها كما ناء طول ليله بتصحيحها: “ خذوا يا مشايخ! وزعوا ما تزعمونه إنشاء. عليكم بالقصد يا قوم فالبلاغة الإيجاز. والله إني لا أشبر الإنشاء ولا أذرعه” ونضحك ونوزع الكراسات.


ومن الموضوعات التي أتحفنا بها بمناسبة آخر العام الدراسي، وكان بالنسبة لي ولفرقتي، العام النهائي سنة 1927 الميلادية، هذا الموضوع: “ اشرح أعظم آمالك بعد إتمام دراستك، وبين الوسائل التي تعدها لتحقيقها”.


وقد أجبت عنه بهذا الموضوع:


“ أعتقد أن خير النفوس تلك النفس الطيبة- التي ترى سعادتها في إسعاد الناس وإرشادهم، وتستمد سرورها من إدخال السرور عليهم، وذود المكروه عنهم، وتعد التضحية في سبيل الإصلاح العام ربحاً وغنيمة، والجهاد في الحق والهداية – على توعر طريقهما، وما فيه من مصاعب – ومتاعب – راحة ولذة، وتنفذ إلى أعماق القلوب فتشعر بأدوائها، وتتغلغل في مظاهر المجتمع، فتتعرف ما يعكر على الناس صفاء عيشهم ومسرة حياتهم، وما يزيد في هذا الصفاء، ويضاعف تلك المسرة، لا يحدوها إلى ذلك إلا شعور بالرحمة لبني الإنسان، وعطف عليهم، ورغبة شريفة في خيرهم، فتحاول أن تبرئ هذه القلوب المريضة، وتشرح تلك الصدور الحرجة وتسر النفوس المنقبضة لا تحسب ساعة أسعد من تلك التي تنقذ فيها مخلوقاً من هوة الشقاء الأبدي أو المادي، وترشده إلى طريق الاستقامة والسعادة !.


وأعتقد أن العمل الذي لا يعدو نفعه صاحبه، ولا تتجاوز فائدته عامله، قاصر ضئيل، وخير الأعمال وأجلها ذلك الذي يتمتع بنتائجه العامل وغيره، من أسرته وأمته وبني جنسه، وبقدر شمول هذا النفع يكون جلاله وخطره، وعلى هذه العقيدة سلكت سبيل المعلمين، لأني أراهم نوراً ساطعاً يستنير به الجمع الكثير ويجري في هذا الجم الغفير، وإن كان كنور الشمعة التي تضيء للناس باحتراقها”


“وأعتقد أن أجل غاية يجب أن يرمي الإنسان إليها، وأعظم ربح يربحه أن يحوز رضا الله عنه، فيدخله حظيرة قدسه، ويخلع عليه جلابيب أنسه، ويزحزحه عن جحيم عذابه، وعذاب غضبه. والذي يقصد إلى هذه الغاية يعترضه مفرق طريقين، لكل خواصه ومميزاته، يسلك أيهما شاء:


أولهما: طريق التصوف الصادق، الذي يتلخص في الإخلاص والعمل، وصرف القلب عن الاشتغال بالخلق خيرهم وشرهم. وهو أقرب وأسلم.


والثاني: طريق التعليم والإرشاد، الذي يجامع الأول في الإخلاص والعمل، ويفارقه في الاختلاط بالناس، ودرس أحوالهم، وغشيان مجامعهم ووصف العلاج الناجع لعللهم. وهذه أشرف عند الله وأعظم، ندب إليه القرآن العظيم، ونادى بفضله الرسول الكريم. وقد رجح الثاني – بعد أن نهجت الأول – لتعدد نفعه، وعظيم فضله، ولأنه أوجب الطريقين على المتعلم، وأجملهما بمن فقه شيئاً”لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون”.


“وأعتقد أن قومي – بحكم الأدوار السياسية التي اجتازوها، والمؤثرات الاجتماعية التي مرت بهم وبتأثير المدنية الغربية، والشبه الأوروبية، والفلسفة المادية، والتقليد الإفرنجي – بعدوا عن مقاصد دينهم، ومرامي كتابهم، ونسوا مجد آبائهم، وآثار أسلافهم، والتبس عليهم هذا الدين الصحيح بما نسب إليه ظلماً وجهلاً، وسترت عنهم حقيقته الناصعة البيضاء، وتعاليمه الحقيقية السمحة، بحجب من الأوهام يحسر دونها البصر، وتقف أمامها الفكر، فوقع العوام في ظلمة الجهالة، وتاه الشبان والمتعلمون في بيداء حيرة وشك، أورثا العقيدة فساداً، وبدلا الإيمان إلحاداً… !”.


“وأعتقد كذلك أن النفس الإنسانية محبة بطبعها، وأنه لا بد من جهة تصرف إليها عاطفة حبها، فلم أر أحدا أولى بعاطفة حبي من صديق امتزجت روحه بروحي فأوليته محبتي، وآثرته بصداقتي”


“كل ذلك أعتقده عقيدة تأصلت في نفسي جذوتها، وطالت فروعها، واخضرت أوراقها، وما بقي إلا أن تثمر، فكان أعظم آمالي بعد إتمام حياتي الدراسية أملان:


“خاص”: وهو إسعاد أسرتي وقرابتي، والوفاء لذلك الصديق المحبوب ما استطعت لذلك سبيلاً، وإلى أكبر حد تسمح به حالتي، ويقدرني الله عليه.


“وعام”: وهو أن أكون مرشداً معلماً، إذا قضيت في تعليم الأبناء سحابة النهار، ومعظم العام قضيت ليلي في تعليم الآباء هدف دينهم، ومنابع سعادتهم، ومسرات حياتهم، تارة بالخطابة والمحاورة، وأخرى بالتأليف والكتابة، وثالثة بالتجول والسياحة.


وقد أعددت لتحقيق الأول معرفة بالجميل، وتقديراً للإحسان و” هل جزاء الإحسان إلا الإحسان” ولتحقيق الثاني من الوسائل الخلقية: “ الثبات والتضحية” وهما ألزم للمصلح من ظله، وسر نجاحه كله، وما تخلق بهما مصلح فأخفق إخفاقاً يزري به أو يشينه، ومن الوسائل العملية: درساً طويلاً، سأحاول أن تشهد لي به الأوراق الرسمية، وتعرفاً بالذين يعتنقون هذا المبدأ، ويعطفون على أهله، وجسماً تعود الخشونة على ضآلته، وألف المشقة على نحافته، ونفساً بعتها لله صفقة رابحة، وتجارة بمشيئته منجية، راجياً منه قبولها، سائله إتمامها، ولكليهما عرفاناً بالواجب وعونا من الله سبحانه، أقرؤه في قوله: “ إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم”.


“ذلك عهد بيني وبين ربي، أسجله على نفسي، وأشهد عليه أستاذي، في وحدة لا يؤثر فيها إلا الضمير، وليل لا يطلع عليه إلا اللطيف الخبير” ومن أوفي بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرأ عظيما”.


ولقد أعمل الأستاذ أحمد يوسف قلمه في هذا الموضوع ببعض الإصلاحات، وأذكر أنه أعطاني فيه درجة لا بأس بها وهي سبع ونصف من عشرة.


والصديق الذي أشرت إليه في هذا الموضوع هو الأستاذ أحمد السكري الذي كان يبادلني هذا الشعور إلى درجة أنه صفي دكانه وتجارته، والتحق بالوظائف الحكومية بمجلس مديرية البحيرة حتى يتيسر لي أن أكون بالمجلس فنجتمع على أية حال، وقد حقق الله هذه الآمال بعد حين، فوظفت بوزارة المعارف وانتقل هو إليها، وجمعتنا القاهرة بعد طول انتظار.


هل رأيتم وضوح ونبل للغاية ووضوح للهدف ووسائل تحقيق هذه الأهداف كما سجله الإمام البنا رحمه الله وهو ما زال طالب فى كلية دار العلوم


التدوينة القادمة سنتعرض لتأسيس جماعة الإخوان المسلمين والتى أيضا شوهها وحيد حامد


إلى لقاء إن شاء الله


الصورة الملحقة بالموضوع صورة نادرة للإمام حسن البنا فى صلاه العشاء آخر صلاه للإمام البنا لحظات قبل اغتياله
تابع القراءة ....

مسلسل الجماعة والردود عليها 3 (( الرواية الحقيقية للإمام البنا مع الشيخ الدجوي ))


 من الروايات التى أوردها وحيد حامد فى مسلسل الجماعة قصة ما حدث بين الإمام حسن البنا والشيخ الدجوي وكعادته طبعا أجتزئ الرواية ولم يذكرها كاملة لمجرد أن يظهر الإمام البنا بغليظ القلب ولا يعطى للعلماء قدرهم هذه هى الرواية الحقيقية لقصة ما حدث بين الإمام البنا والشيخ الدجوي :


كنت أقرأ للشيخ يوسف الدجوي – رحمه الله – كثيرا وكان الرجل سمح الخلق حلو الحديث صافي الروح. وبحكم النشأة الصوفية كان بيني وبينه رحمه الله صلة روحية وعلمية تحملني على زيارته الفينة بعد الفينة، بمنزله بقصر الشوق أو بعطفة الدويداري بحي الأزهر، وكنت أعرف أن له صلات بكثير من رجال المعسكر الإسلامي من علماء أو وجهاء، وأعرف أنهم يحبونه ويقدرونه فعزمت على زيارته، ومكاشفته بما في نفسي، والاستعانة به على تحقيق هذه الفكرة والوصول إلى هذه الغاية وزرته بعد الإفطار، وكان حوله لفيف من العلماء وبعض الوجهاء، ومن بينهم رجل فاضل لا أزال أذكر أن اسمه” أحمد بك كامل” وإن لم ألتق به بعد هذه المرة.


تحدثت إلى الشيخ في الأمر فأظهر الألم والأسف وأخذ يعدد مظاهر الداء والآثار السيئة المترتبة على انتشار هذه الظاهرة في الأمة، وخلص من ذلك إلى ضعف المعسكر الإسلامي أمام هؤلاء المتآمرين عليه، وكيف أن الأزهر حاول كثيرا أن يصد هذا التيار فلم يستطع، وتطرق الحديث إلى جمعية” نهضة الإسلام” التي ألفها الشيخ، هو ولفيف من العلماء، ومع ذلك لم تجد شيئا، وإلى كفاح الأزهر ضد المبشرين والملحدين، وإلى مؤتمر الأديان في اليابان، ورسائل الإسلام التي ألفها فضيلته وبعث بها إليه، وانتهي ذلك كله إلى أنه لا فائدة من كل الجهود، وحسب الإنسان أن يعمل لنفسه وأن ينجو بها من هذا البلاء. وأذكر أنه تمثل بهذا البيت، الذي كان كثيراً ما يتمثل به، والذي كتبه لي في بعض بطاقاته في بعض المناسبات:


وما أبالي إذا نفسي تطاوعني على النجاة بمن قد مات أو هلكا


وأوصاني أن أعمل بقدر الاستطاعة، وأدع النتائج لله”لا يكلف الله نفساً إلا وسعها”لم يعجبني طبعا هذا القول، وأخذتني فورة الحماسة وتمثل أمامي شبح الإخفاق المرعب إذا كان هذا الجواب سيكون جواب كل من ألقى من هؤلاء القادة فقلت له في قوة: “ إنني أخالفك يا سيدي كل المخالفة في هذا الذي تقول. وأعتقد أن الأمر لا يعدو أن يكون ضعفاً فقط، وقعوداً عن العمل، وهروباً من التبعات: من أي شيء تخافون؟ من الحكومة أو الأزهر؟.. يكفيكم معاشكم واقعدوا في بيوتكم واعملوا للإسلام، فالشعب معكم في الحقيقة لو واجهتموه، لأنه شعب مسلم، وقد عرفته في القهاوي ، وفي المساجد، وفي الشوارع، فرأيته يفيض إيماناً، ولكنه قوة مهملة من هؤلاء الملحدين والإباحيين، وجرائدهم ومجلاتهم لا قيام لها إلا في غفلتكم، ولو تنبهتم لدخلوا جحورهم.


يا أستاذ ! إن لم تريدوا أن تعملوا لله فاعملوا للدنيا وللرغيف الذي تأكلون، فإنه إذا ضاع الإسلام في هذه الأمة ضاع الأزهر، وضاع العلماء، فلا تجدون ما تأكلون، ولا ما تنفقون، فدافعوا عن كيانكم إن لم تدافعوا عن كيان الإسلام، واعملوا للدنيا إن لم تريدوا أن تعملوا للآخرة، وإلا فقد ضاعت دنياكم وآخرتكم على السواء”!.


وكنت أتكلم في حماسة وتأثر وشدة، من قلب محترق مكلوم، فانبرى بعض العلماء الجالسين يرد علي في قسوة كذلك، ويتهمني بأنني أسأت إلى الشيخ وخاطبته بما لا يليق، وأسأت إلى العلماء والأزهر، وأسأت بذلك إلى الإسلام القوي العزيز، والإسلام لا يضعف أبدا والله تكفل بنصره.


وقبل أن أرد عليه انبرى أحمد بك كامل هذا وقال: “ لا يا أستاذ، من فضلك هذا الشاب لا يريد منكم إلا الاجتماع لنصرة الإسلام. وإن كنتم تريدون مكاناً تجتمعون فيه فهذه داري تحت تصرفكم افعلوا بها ما تريدون، وإن كنتم تريدون مالاً فلن نعدم المحسنين من المسلمين، ولكن أنتم القادة فسيروا ونحن وراءكم. أما هذه الحجج فلم تعد تنفع بشيء”. هنا سألت جاري عن هذا الرجل المؤمن: من هو؟ فذكر لي اسمه – وما زال عالقاً بذهني ولم أره بعد – وانقسم المجلس إلى فريقين فريق يؤيد رأي الأستاذ العالم، وفريق يؤيد رأي أحمد بك كامل، والشيخ – رحمه الله – ساكت. ثم بدا له أن ينهي هذا الأمر فقال: على كل حال نسأل الله أن يوفقنا للعمل بما يرضيه، ولا شك أن المقاصد كلها متجهة إلى العمل، والأمور بيد الله. و أظننا الآن على موعد مع الشيخ محمد سعد فهيا لنزوره.


وانتقلنا جميعاً إلى منزل الشيخ محمد سعد – وهو قريب من منزل الدجوي رحمه الله – وتحريت أن يكون مجلسي بجوار الشيخ الدجوي مباشرة لأستطيع الحديث فيما أريد. ودعا الشيخ محمد سعد بحلويات. رمضان فقدمت وتقدم الشيخ ليأكل فدنوت منه، فلما شعر بي بجواره سأل: من هذا؟ فقلت: فلان.


فقال: أنت جئت معنا أيضاً؟ فقلت: نعم يا سيدي، وسوف لا أفارقكم إلا إذا انتهينا إلى أمر. فأخذ بيده مجموعة من النقل وناولنيها وقال: خذ وإن شاء الله نفكر، فقلت يا سبحان الله يا سيدي إن الأمر لا يحتمل تفكيرا، ولكن يتطلب عملا، ولو كانت رغبتي في هذا النقل وأمثاله لاستطعت أن أشتري بقرش وأظل في منزلي ولا أتكلف مشقة زيارتكم. يا سيدي إن الإسلام يحارب هذه الحرب العنيفة القاسية، ورجاله وحماته وأئمة المسلمين يقضون الأوقات غارقين في هذا النعيم. أتظون أن الله لا يحاسبكم على هذا الذي تصنعون؟ إن كنتم تعلمون للإسلام أئمة غيركم وحماة غيركم فدلوني عليهم لأذهب إليهم، لعلي أجد عندهم ما ليس عندكم !!


أما الجزء التالى فطبعا لم يذكره وحيد حامد فى مسلسل الجماعة متعمدا متناسى لأن النتيجة طبعا لم تروق له قال الشيخ حسن البنا بعد ذالك :


وسادت لحظة صمت عجيبة، وفاضت عينا الشيخ رحمه الله بدمع غزير بلل لحيته، وبكى بعض من حضر. وقطع الشيخ رحمه الله هذا الصمت بأن قال في حزن عميق وفي تأثر بالغ: وماذا أصنع يا فلان؟ فقلت يا سيدي الأمر يسير، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها. لا أريد إلا أن تحصر أسماء من نتوسم فيهم الغيرة على الدين، من ذوي العلم والوجاهة والمنزلة، ليفكروا فيما يجب أن يعملوه: يصدرون ولو مجلة أسبوعية أمام جرائد الإلحاد والإباحية، ويكتبون كتباً وردوداً على هذه الكتب ويؤلفون جمعيات يأوي إليها الشباب، وينشطون حركة الوعظ والإرشاد.. وهكذا من هذه الأعمال. فقال: جميل. وأمر برفع” الصينية” بما عليها، وإحضار ورقة وقلم. وقال: أكتب. وأخذنا نتذاكر الأسماء، فكتبنا فريقاً كبيراً من العلماء الأجلاء أذكر منهم: الشيخ رحمه الله، وفضيلة الأستاذ الشيخ محمد الخضر حسين، والشيخ عبد العزيز جاويش، والشيخ عبد الوهاب النجار، والشيخ محمد الخضري، والشيخ محمد أحمد إبراهيم، والشيخ عبد العزيز الخولي رحمهم الله.


وجاء اسم السيد رشيد رضا – رحمه الله – فقال الشيخ: اكتبوه اكتبوه فإن الأمر ليس أمرا فرعياً نختلف فيه، ولكنه أمر إسلام وكفر، والشيخ رشيد خير من يدافع بقلمه وعلمه ومجلته وكانت هذه شهادة طيبة من الشيخ للسيد رشيد رحمهما الله، مع ما كان بينهما من خلاف في الرأي حول بعض الشئون. وكان من الوجهاء: أحمد باشا تيمور، ونسيم باشا وأبو بكر يحيى باشا، ومتولي بك غنيم، وعبد العزيز بك محمد – وهو عبد العزيز باشا محمد الآن – وعبد الحميد بك سعيد رحمهم الله جميعاً، وكثيرون غير هؤلاء.


ثم قال الشيخ: وإذن فعليك أن تمر على من تعرف، وأمر على من أعرف، ونلتقي بعد أسبوع إن شاء الله.


التقينا مرات، وتكونت نواة طيبة من هؤلاء الفضلاء وواصلت اجتماعها بعد عيد الفطر، وأعقب ذلك أن ظهرت مجلة” الفتح” الإسلامية القوية يرأس تحريرها الشيخ عبد الباقي سرور نعيم رحمه الله، ومديرها السيد محب الدين الخطيب، ثم آل تحريرها وإدارتها إليه، فنهض بها خير نهوض، وكانت مشعل الهداية والنور لهذا الجيل من شباب الإسلام المثقف الغيور.


وظلت هذه النخبة المباركة من الفضلاء تعمل حتى بعد أن فارقت دار العلوم، وظل يحركها نفر من هذا الشباب المخلص حتى كانت هذه الحركات” جمعية الشبان المسلمين” فيما بعد.


سبحان الله هل رأيتم حمية للعمل للدين وإخلاص للدعوة له كما فعل الإمام البنا وهو ما زال بعد شابا صغيرا ولأن هذه الدعوة خالصة لوجه الله الكريم فأنبتت هذه الدعوة عملا للشيخ الدجوي ظهرت آثاره بمجلة إسلامية قوية وجمعية الشبان المسلمين التى لا زالت قائمة للآن


السؤال الآن لما يذكر وحيد حامد نتيجة ما حدث بين الإمام البنا والشيخ الدجوي وأكتفى فقط بما يظهر الشيخ البنا بغلظة القلب وعدم إعطاء المشايخ قدرهم وهو كما رأيت فى الرواية منافى للحقيقة




تابع القراءة ....

مسلسل الجماعة والردود عليها 2




أواصل عرض سيرة الإمام حسن البنا رحمه الله وذالك مما كتبه الشيخ حسن البنا بنفسه فى كتاب مذكرات الدعوة والداعية والروايات الحقيقية لما أورده وحيد حامد فى مسلسل الجماعة مبتورا ومشوها ولنرى ما فعله الشيخ حسن البنا كما رواه هو بنفسه فى المرحلة الإعدادية


قصة جمعية الأخلاق الدينية وقصة التمثال الخشبى :


فى المدرسة الإعدادية التى درس بها الشيخ حسن البنا رحمه الله كان من بين أساتذة هذه المدرسة” محمد أفندي عبد الخالق” رحمه الله وكان مدرس حساب ورياضة، ولكنه كان صاحب خلق وفضيلة، فاقترح على طلبة السنة الثالثة أن يؤسسوا من بينهم جمعية مدرسية يطلقون عليها اسم” جمعية الأخلاق الأدبية” وضع بنفسه لائحتها، واعتبر نفسه المشرف عليها وأرشد الطلاب إلى اختيار مجلس إدارتها. وكانت لائحتها الداخلية تتلخص في أن: من شتم أخاه غرم مليماً واحدا، ومن شتم الوالد غرم مليمين، ومن شتم الأم غرم قرشا، ومن سب الدين غرم قرشين، ومن تشاجر مع آخر غرم مثل ذلك – وتضاعف هذه العقوبة لأعضاء مجلس الإدارة ورئيسه – ومن توقف عن التنفيذ قاطعه زملاؤه حتى ينفذ، وما يتجمع من هذه الغرامات ينفق في وجوه من البر والخير، وعلى هؤلاء الأعضاء جميعاً أن يتواصوا فيما بينهم بالتمسك بالدين وأداء الصلاة في أوقاتها والحرص على طاعة الله والوالدين ومن هم اكبر سنا أو مقاماً.


ثم يتحدث عن أثر هذه الجمعية بقصة التمثال الخشبى فقال :


وأذكر أن كان من أثر هذه الجمعية في نفوس أعضائها الناشئين أنني مررت ذات يوم على شاطئ فهر النيل حيث يشتغل عدد كبير من العمال في بناء السفن الشراعية، وهي صناعة كانت منتشرة في محمودية بحيرة، فلاحظت أن أحد أصحاب هذه السفن المنشأة قد -علق في ساريتها تمثالا خشبيا عاريا على صورة تتنافى مع الأدب، وبخاصة وأن هذا الجزء من الشاطئ يتردد عليه السيدات والفتيات يشقين منه الماء،


فهالني ما رأيت وذهبت فورا إلى ضابط النقطة – ولم تكن المحمودية قد صارت مركزا إداريا بعد – وقصصت عليه. القصص مستنكرا هذا المنظر وقد اكبر الرجل هذه الغيرة وقام معي من فوره حيث هدد صاحب السفينة وأمره أن ينزل هذا التمثال في الحال وقد كان، ولم يكتف بذلك بل إنه حضر صباح اليوم التالي إلى المدرسة وأخبر الناظر الخبر في إعجاب وسرور. وكان الناظر مربيا فاضلا هو الأستاذ محمود رشدي – من كجار رجال وزارة المعارف الآن – فسر هو الآخر وأذاعه على التلاميذ في طابور الصباح مشجعاً إياهم على. بذل النصيحة للناس والعمل على إنكار المنكر أينما كان. ويظهر أن هذا الاهتمام بمثل هذه الشئون قد انصرف عنه اليوم – مع الأسف – الكثير من النظار والضباط على السواء.


كان اعتراض الأمام البنا على التمثال كونه خشبى لرجل عاريا وهو ما يتنافى مع الأخلاق ولم يكن للتمثال فى حد ذاته ثم هو ذهب للضابط المسئول عن هذه النقطة وقص عليه الأمر وبذل له النصيحة و استجاب الضابط وكان هو من أمر بإنزال التمثال هل رأيت سماحة ودعوة بالطريقة الصحيحة كما فعل الإمام البنا وهو مازال بعد فى المرحلة الإعدادية


بل ولك هذا الموقف الطريف والذى شوهه وحيد حامد كعادته :


دأب كثير من تلامذة هذه المدرسة على أداء الصلاة في المسجد الصغير ) وهو مسجد مجاور لها وبخاصة صلاة الظهر حيث تجمعهم فسحة بعد النداء.


ومن الطرائف التي أذكرها أن إمام هذا المسجد الأهلي الشيخ محمد سعيد رحمه الله، مر ذات يوم فرأي مؤذنا يؤذن وجماعة تقام وإماما يتقدم وعددا كثيراً من التلامذة -يزيد على ثلاثة صفوف أو أربعة يصلي فخشي الإسراف في الماء والبلى للحصير، وانتظر حتى أتم المصلون صلاتهم ثم عمل على تفريقهم بالقوة مهددا ومنذرا ومتوعدا، فمنهم من أذعن وفر ومنهم من وقف وثبت.


وأوحت إلى خواطر التلمذة أن أقتص منه ولا بد فكتبت إليه خطابا ليس فيه إلا هذه الآية (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين ) ولا شيء في ذلك، بعثت به إليه في البريد مغرماً واعتبرت أن غرامة قرش صاغ كافية في هذا القصاص. وقد عرف رحمه الله ممن جاءته هذه الضربة وقابل الوالد شاكياً معاتباً، فأوصاه بالتلاميذ خيراً وكانت له معنا بعد ذلك مواقف طيبة عاملنا فيها معاملة حسنة، واشترط علينا أن نملأ صهريج المسجد بالماء قبل انصرافنا، وأن نعاونه في بع التبرعات للحصر إذا ما أدركها البلى وقد أعطيناه ما شرط.


القصاص هو هذه الورقة وبها الآية الكريمة هذا ما فعله الإمام البنا وهو فى المرحلة الإعدادية


قصة جمعية منع المحرمات :


قال الإمام البنا فى مذكراته وكأن هذا النشاط الداخلي لم يرض رغبة هؤلاء الناشئين في العمل للإصلاح فاجتمع نفر منهم كان من بينهم الأستاذ محمد على بدير المدرس بالمعارف الآن، والأستاذ عبد الرحمن الساعاتي الموظف بالسكة الحديدية الآن، والأستاذ سعيد بدير المهندس الآن. وقرروا تأليف جمعية إسلامية باسم جمعية منع المحرمات )


ثم كتب عن توزيع المهام داخل الجمعية فقال :


وآخر مهنته كتابه هذه الخطابات بالحبر وثالث مهنته طبعها، والباقون توزيعها على أصحابها. وأصحابها هم الذين تصل إلى الجمعية أخبارهم بأنهم يرتكبون بعض الآثام أو لا يحسنون أداء العبادات على وجهها، خصوصا الصلاة، فمن أفطر في رمضان ورآه أحد الأعضاء بلغ عنه فوصله خطاب فيه النهي الشديد عن هذا المنكر، ومن قصر في صلاته ولم يخشع فيها ولم يطمئن وصله خطاب كذلك ومن تحلى بالذهب وصله خطاب نهي فيه حكم التحلي بالذهب شرعا، و أيما امرأة شاهدها أحد الأعضاء تلطم وجهها في مأتم أو تدعو بدعوى الجاهلية وصل زوجها أو وليها خطاب، وهكذا ما كان أحد من الناس صغيرا أو كبيرا يعرف عنه شيء من المآثم إلا وصله خطاب من الجمعية ينهاه أشد النهي عما يفعل.


وكان من اليسير على الأعضاء لصغر سنهم وعدم اتجاه الأنظار إليهم أو وقوع الشبهة عليهم أن يعرفوا كل شيء ولا يتحرز الناس منهم. وكان الناس يظنون أن هذا من عمل أستاذنا الشيخ زهران رحمه الله ويقابلونه ويلومونه لوماً شديدا ويطلبون إليه أن يتحدث إليهم فيما يريد بدلا من هذه الكتابة والرجل يتنصل من ذلك ولدفع عن نفسه، وهم لا يكادون يصدقون حتى وصله ذات يوم خطاب من الجمعية يلفت نظره إلى أنه صلى فريضة الظهر بين السواري – وذلك مكروه – وهو عالم البلد، فيجب عليه أن يبتعد عن المكروهات ليبتعد غيره من العوام عن المحرمات. وأذكر أن الشيخ رحمه الله دعاني حينذاك – وقد كانت صلتي مستمرة به وإن كنت قد تركت مدرسته أو مكتبته – لنراجع معا هذا الحكم في كتاب فتح الباري في شرح صحيح البخاري، ولا زلت أذكر الموضوع كأنه اليوم وكنت أقرأ له وأنا أبتسم وهو يتساءل عن هؤلاء الذين كتبوا له ووجد أن الحق معهم -، وأنهيت ذلك إلى أعضاء الجمعية فكان سرورهم به عظيماً.


واستمرت الجمعية تؤدى عملها أكثر من ستة أشهر وهي مثار عجب الناس ودهشتهم. حتى اكتشف أمرها على يد صاحب قهوة استدعى راقصة فوصله خطاب من الجمعية، وكانت الخطابات لا ترسل بالبريد اقتصادا في النفقات، وإنما يحملها أحد الأعضاء ويضعها في مكان يلفت نظر صاحبها إليها فيستلمها ولا يرى من جاء بها. ولكن المعلم كان يقظاً فشعر بحركة حامل الخطاب فقبض عليه بخطابه وعاتبه عتابا شديدا أمام من في القهوة. وعرفت الجمعية عن هذا الطريق فرأي أعضاؤها أن يخففوا من نشاطهم ويعملوا بأسلوب آخر لمنع المحرمات.


هذه هى الروايات الأصليه لبعض ما فعله الإمام البنا رحمه الله وهو فى المرحلة الإعدادية


بحثت فى كل المراجع عن حكاية لعبة عسكر و حرامية التى لفقها وحيد حامد وحولها للعبة مؤمنين وكفار ليدلل بها على دموية الشيخ حسن البنا منذ طفولته فلم أجد أثرا لها سواء فى كتاب مذكرات الدعوة والداعية أو حتى الكتب التى تحدثت عن الإمام البنا فهلا أحضر لنا السيد وحيد حامد مصدر هذه القصة المختلقة


و اخيرا أقرأ التدوينة بإنصاف فلن تلمس إلا أدبًا جمًا وترفعًا عن الصغائر وحماسة وغيرة على دين الله ورغبة في العمل التضامني والتكافل نحو خدمة الدين،ولن تجد أبدًا أثرًا لشخصية فاشية أو إرهابية تجمع الأطفال بالإرهاب وليس بالثقة والمحبة والقدوة الحسنة.
تابع القراءة ....

مسلسل الجماعة والردود عليها 1



فى مسلسل الجماعة يبنى وحيد حامد العقدة الدرامية فى المسلسل بشخصية وكيل نيابة أمن الدولة والذى كلف بالتحقيق مع طلبة الأزهر ولأنه حسب ما كتبه وحيد حامد يريد أن يصل للحقيقة عن الجماعة وعن مؤسسها الإمام البنا رحمه الله فاستعان بمستشار قريب له الذى نصحه بقراءة ما كتبه الإمام البنا بنفسه ورشح له كتاب مذكرات الدعوة والداعية ثم بدأ يحكى للبطل أكاذيب عن حياة الإمام البنا الذى ما كان غرضه كما كتب وحيد حامد إلا الزعامة و التكفير إلى آخر ما ساقه فى مسلسل الجماعة



ولأن السيد وحيد حامد إما جاهل بمن هو الإمام البنا أو هو يتعمد تشويه سيرته وتاريخه حتى يكون هذا مدخل لتشويه جماعة الإخوان المسلمين فلنستعين برأى أحد أبطال مسلسل السيد وحيد ولنعود إلى ما كتبه الإمام البنا بنفسه وهو يتركز فى مذكرات الدعوة والداعية والرسائل وهى الأحاديث التى تحدث بها الإمام البنا ….وسوف أجول معك أخى القارئ حول بعض تراث الإمام البنا ليتعرف الناس والسيد وحيد على من هو الإمام البنا


أول ما يلفت النظر فى كتاب مذكرات الدعوة والداعية المقدمة البديعة التى كتبها الأستاذ أبو الحسن الندوى أحد علماء المسلمين الأجلاء وهو لا ينتمى لجماعة الإخوان المسلمين إلا أنه زار مصر وألتقى بالإمام البنا تعالوا نقرأ تقديم الأستاذ أبو الحسن الندوى للكتاب :


يسعد كاتب هذه السطور ويشرفه أن يكتب تصديراً أو مقدمة لكتاب” مذكرات الدعوة والداعية” للإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله، ويعتبر ذلك من الأعمال التي يتقرب بها إلى الله، ويحسن بها إلى نفسه قبل أن يحسن بها إن غيره، فهو كتاب ليس ككل كتاب، ومؤلفه ليس كالمؤلفين، وموضوعه ليس كالموضوعات التي يعالجها الكتاب ويتناولها المؤلفون والمحترفون في كل حين وفي كل مكان، ويتهيب رجل مثلي في قلة بضاعته في العلم والعمل، وفي تخلفه في ميدان الإصلاح والكفاح، وفي مجال التربية والإخراج، وفي حلبة التضحية والمحنة، أن يتقدم للكتابة والتعليق على هذا الكتاب ومؤلفه العظيم، ولذلك تأخرت كتابة هذه السطور مدة استطالت حتى بلغ حرج النفس كل مبلغ، وحتى غدوت أخشى وزر احتمال مزيد من التأخير ومن حرمان الشباب المسلم وجنود الدعوة ورواد الإصلاح من خير وافر غزير.


كفي برهانا على خلود الإسلام وعلى أنه دين الله المختار الذب صنع ليعيش إلى آخر الزمن، وعلى خلود هذه الأمة وعلى أنها هي الأمة الأخيرة، وعلى أنها منجبة منتجة، مورقة مزهرة، وعلى أنها كنانة الله التي لا تنفد سهامها ولا تخطئ مراميها، كفي برهاناً على ذلك وجود هؤلاء المصلحين والمجاهدين والعباقرة والنوابغ، والموهوبين والمؤيدين والمربين، وقادة الإصلاح الموفقين الذين ظهروا ونبغوا في أحوال غير مساعدة، وفي أجواء غير موافقة، بل في أزمنة مظلمة حالكة، وفي بيئات قاتلة فاتكة وفي شعب أصيب بشلل الفكر وخواء الروح وخمود العاطفة وضعف الإرادة وخور العزيمة وسقوط الهمة ورخاوة الجسم ورقة العيش وفساد الأخلاق والإخلاد إلى الراحة والخضوع للقوة واليأس من الإصلاح،


وبينما يواصل هذا الركب سيره، وهذا القطار سفره في غايات محدودة، ومنازل معروفة، وأصوات مألوفة، و نغمات مكررة، إذا بشخصية تقفز من وراء الأستار، أو من ركام الأنقاض والآثار، وتفاجئ هذا الركب الهادئ الوادع الذي لا يعرف غر الوصول إلى غايته المرسومة المحدودة، ولا يهتم إلا بقوت اليوم وزاد الطريق وأمن السبيل وراحة الأبدان.. تفاجئه بالدعوة إلى الإصلاح والحاجة إلى استئناف النظر والتفكير في الأوضاع العامة ومصير الإنسانية ومسئولية الأمة التي أخرجت للناس، والثورة على الأوضاع الفاسدة والأخلاق الرذيلة والعقائد الضالة، والعادات الجاهلية، وعبادة البطون والشهوات، وعبودية القوة والسلطات،


ويدعو إلى حياة كريمة فاضلة، وإلى مدنية سليمة صالحة، وإلى مجتمع رشيد عادل، وإلى إيمان عميق جديد، وإلى إسلام قوي حاكم، ويرفع بكل ذلك صوتا مدويا عاليا يضطرب به الركب وتهتز به مشاعره وعواطفه وقيمه ومفاهيمه، ولا يستطيع أن يتغافل عنه أو يتجاهله أو يستخف به ويستمر في سيره غير مقبل عليه أو ملتفت إليه، بل يخضع له عدد كبير من أعضائه فينشقون عنه ويلتحقون بهذا الداعية، فيجعل منهم ركبا جديدا يثق بنصر الله، ويسير على بركة الله.


إن لهؤلاء الثائرين والدعاة المصلحين قائمة مشرقة ومشرفة يتجمل بها تاريخ الإصلاح والدعوة، ولا يخلو منهم زمان ومكان وقد كان صاحب هذا الكتاب الذي أتشرف بتقديمه من هذه الشخصيات التي هيأتها القدرة الإلهية، وصنعتها التربية الربانية، وأبرزتها في أوانها ومكانها، وإن كل من يقرأ هذا الكتاب سليم الصدر، مجرد الفكرة، وبعيداً عن العصبية والمكابرة، يقتنع بأنه رجل موهوب مهيأ، وليس من سوانح الرجال ولا صنيعة بيئة أو مدرسة، ولا صنيعة تاريخ أو تقليد، ولا صنيعة اجتهاد ومحاولة وتكلف، ولا صنيعة تجربة وممارسة، إنما هو من صنع التوفيق والحكمة الإلهية والعناية بهذا الدين وبهذه الأمة، والغرس الكريم الذي يهيأ لأمر عظيم ولأمل عظيم في زمن تشتد إليه حاجته وفي بيئة تعظم فيها قيمته.


إن الذي عرف الشرق العربي الإسلامي في فجر القرن العشرين، وعرف مصر بصفة خاصة، وعرف ما أصيب به هذا الجزء الحساس الرئيسي من جسم العالم الإسلامي من ضعف في العقيدة والعاطفة، والأخلاق والاجتماع،.والإرادة والعزم، والقلب والجسم، وعرف الرواسب التي تركها حكم المماليك وحكم الأتراك وحكم الأسرة الخديوية، وما زاد إليها الحكم الأجنبي الإنجليزي، وما جلبته المدنية الإفرنجية المادية والتعليم العصري اللاديني والسياسة الحزبية النفعية وما زاد هذا الطين بلة من ضعف العلماء وخضوعهم للمادة والسلطة، وتنازل أكثرهم عن منصب الإمامة والتوجيه، وانسحابهم عن ميدان الدعوة والإرشاد،والكفاح والجهاد، واستسلامهم” للأمر الواقع”، وخفوت صوت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، زد إلى ذلك كله نشاط دعاة الفساد والهدم، والخلاعة والمجون، والإلحاد والزندقة،


وتزعم الصحف والمجلات الواسعة الانتشار، القوية التأثير، للدعوات المفسدة، والحركات الهدامة والاستخفاف بالدين وقيمه، والأخلاق وأسسها وما آل إليه الأمر ووصلت إليه الأقطار العربية بصفة عامة، والقطر المصري بصفة خاصة من التبذل والإسفاف، والضعف والانحطاط، والثورة والفوضى، والانهيار الخلقي والروحي في الثلث الأول من هذا القرن الميلادي، ورأي كل ذلك مجسماً مصوراً في أعدا د”الأهرا م” و” المقطم” و” الهلال” و” المصور”، وفي كتب كان يصدرها أدباء مصر وكتابها المفضلون المحببون عند الشباب، ورأي ذلك مجسما مصورا في أعياد مصر ومهرجاناتها، وحفلاتها وسهراتها، واستمع إلى الشباب الجامعي في نواديهم ومجالسهم،


وزار الإسكندرية وشواطئها ومصايفها،ورافق فرق الكشافة والرياضة والمباراة، ودخل دور السينما، ورأي الأفلام الأجنبية والمحلية، واطلع على الروايات التي تصدرها المكتبة العربية في مصر بين حين وآخر ويتهافت عليها الشباب بنهامة وجشع، وعاش متصلا بالحياة والشعب، وتتبع الحوادث ولم يعش في برج عاجي، وفي عالم الأحلام والأوهام، عرف رزية الإسلام والمسلمين، ونكبة الدعوة الإسلامية في هذا الجزء الذي كان يجب أن يكون زعيما للعالم العربي كله، وزعيما للعالم الإسلامي عن طريقه، وقد بقي قرونا كنانة الإسلام ومصدر العلم والعرفان، وأسعف العالم العربي وأنجده بل أنقذه في فترات دقيقة عصيبة في التاريخ الإسلامي، ولا يزال يحتضن الأزهر الشريف أكبر مركز ثقافي إسلامي وأقدمه.


إن كل من عرف ذلك عن كثب لا عن كتب وعاش متصلا به، عرف فضل هذه الشخصية التي قفزت إلى الوجود، وفاجأت مصر ثم العالم العربي والإسلامي كله بدعوتها وتربيتها وجهادها وقوتها الفذة التي جمع الله فيها مواهب وطاقات قد تبدو متناقضة في عين كثير من علماء النفس والأخلاق، ومن المؤرخين والناقدين، هي العقل الهائل النير، والفهم المشرق الواسع، والعاطفة القوية الجياشة، والقلب المبارك الفياض، والروح المشبوبة النضرة، واللسان الذرب البليغ، والزهد والقناعة – دون عنت – في الحياة الفردية، والحرص وبعد الهمة – دونما كلل – في سبيل نشر الدعوة والمبدأ، والنفس الولوعة الطموح، والهمة السامقة الوثابة، والنظر النافذ البعيد، والإباء والغيرة على الدعوة، والتواضع في كل ما يخص النفس.. تواضعاً يكاد يجمع على الشهادة عارفوه، حتى لكأنه -كما حدثنا كثير منهم – مثل رفيف الضياء: لا ثقل ولا ظل ولا غشاوة.


وقد تعاونت هذه الصفات والمواهب في تكوين قيادة دينية اجتماعية، لم يعرف العالم العربي وما وراءه قيادة دينية سياسية أقوى وأعمق تأثيراً و اكثر إنتاجا منها منذ قرون، وفي تكوين حركة إسلامية يندر أن تجد – في دنيا العرب خاصة – حركه أوسع نطاقا وأعظم نشاطا واكبر نفوذا وأعظم تغلغلا في أحشاء المجتمع واكثر استحواذا على النفوس منها.


وقد تجلت عبقرية الداعي مع كثرة جوانب هذه العبقرية ومجالاتها، في ناحيتين خاصتين لا يشاركه. فيهما إلا القليل النادر من الدعاة والمربين والزعماء والمصلحين، أولاهما شغفه بدعوته واقتناعه بها وتفانيه فيها وانقطاعه إليها بجميع مواهبه وطاقاته ورسائله، وذلك هو الشرط الأساسي والسمة الرئيسية للدعاة والقادة الذين يجري الله على أيديهم الخير الكثير. والناحية الثانية تأثيره العميق في نفوس أصحابه وتلاميذه ونجاحه المدهش في التربية والإنتاج:


فقد كان منشئ جيل، ومربي شعب، وصاحب مدرسة علمية فكرية خلقية، وقد أثر في ميول من اتصل به من المتعلمين والعاملين، وفي أذواقهم وفي مناهج تفكيرهم وأساليب بيانهم ولغتهم وخطابتهم تأثيرا بقي على مر السنين والأحداث، ولا يزال شعارا وسمة يعرفون بها على اختلاف المكان والزمان. لقد فاتني أن أسعد بلقائه في مصر وفي غير مصر، فقد كان العام الأول الذي كتب الله لي فيه الحج والزيارة وخرجت من الهند لأول مرة وهو عام 1947 م هو العام الذي تغيب فيه الشهيد عن ا-لجاز ولم يغادر مصر، وقد كان يحضر الموسم في غالب الأعوام، ويحرص على نشر دعوته والحديث إلى وفود بيت الله الحرام، وعلى السعي المجهد الحثيث في توثيق الصلات والعهود مع الوافدين من أنحاء عالم الإسلام كله.


بيد أني قابلت بعض تلاميذه ودعاته، فلمست فيهم آثار القائد العظيم والمربي الجليل، فلما قدر لي أن أزور مصر سنة 1950 م كانت رحمة الله قد استأثرت به ولما يجاوز عمره بعد الثانية والأربعين إثر حادث استشهاده الذي أدمى نفوس ملايين المسلمين وحرم العالم الإسلامي هذه الشخصية التاريخية الفريدة، ولا أزال أتحسر على هذه الخسارة التي كتبت لي، ولكني اتصلت بتلاميذه اتصالا وثيقا، وعشت فيهم كعضو من أعضاء أسرة واحدة، وزرت والده العظيم رحمه الله، واستقيت منه معلومات وأخبارا سجلتها في مذكراتي، وقابلت زملاءه وأبناءه، واجتمع لنفسي من كل هذه الآثار والأخبار ملامح الصور العظيمة لصاحب هذه الدعوة ومؤسس هذه المدرسة، أنا واثق بأنها صورة صادقة مطابقة.


وفي تلك الرحلة وقع إلي هذا الكتاب” مذكرات الدعوة والداعية”، فألفيته كتابا أساسيا، ومفتاحاً رئيسيا، لفهم دعوته وشخصيته، وفيه يجد القارىء منابع قوته و مصادر عظمته وأسباب نجاحه واستحواذه على النفوس: وهي سلامة الفطرة، وصفاء النفس، وإشراق الروح، والغيرة على الدين، والتحرق للإسلام، والتوجع من استشراء الفساد، والاتصال الوثيق بالله تعالى، والحرص على العبادة وشحن” بطارية القلب” بالذكر والدعاء و الأستنفار، والخلوة في الأسحار، والاتصال المباشر بالشعب وعامة الناس في مواضع اجتماعهم ومراكز شغلهم وهواياتهم والتدرج ومراعاة الحكمة في الدعوة والتربية، والنشاط الدائم والعمل الدائب،


وهذه الخلال كلها هي أركان دعوة إسلامية ربانية، وحركة دينية تهدف إلى أن تحدث في المجتمع ثورة إصلاحية بناءة، وتغير مجرى الحوادث والتاريخ. لذلك كان أصحاب دعوة الإسلام وحملة أمانتها بل والعاملون في مختلف حقول الإصلاح بحاجة دائمة إلى دراسة هذا الكتاب، وإعادة التأمل العميق فيه الفينة بعد الفينة، فلا عجب أن ينعقد العزم على تجديد طبعه ونشره في الناس، بل العجب أن تخلو منه مكتبة من مكتبات المسلمين.


أما بعد: فقد كانت محاولة القضاء على آثار هذه الدعوة التي أعادت إلى الجيل الجديد في العالم العربي الثقة بصلاحية الإسلام وخلود رسالته، وأنشأت في نفوسه وقلوبه إيمانا جديدأ، وقاومت” مركب النقص” في نفوسهم والهزيمة الداخلية التي لا هزيمة أشنع منها وأكبر خطرا، والميوعة وضعف النفوس والانسياق تحت ربقة الشهوات والطغيان، وخلقت – كما يقول شاعر الإسلام الدكتور محمد إقبال: “ في جسم الحمام الرخو الرقيق قلب الصقور والأسود” حتى استطاع هذا الجيل أن يصنع عجائب في الشجاعة والبسالة والاستقامة والثبات.


لقد كانت محاولة القضاء على آثار هذه الحركة وطمس معالمها، وتعذيب جنودها، وتشريد رجالها، جريمة لا يغتفرها التاريخ الإسلامي، ومأساة لا ينساها العالم الإسلامي، وإساءة إلى العالم العربي لا تعدلها إساءة، ولا تكفر عنها أي خدمة للبلاد، وأي اعتبار من الاعتبارات السياسية، إنها جريمة لا يوجد لها نظير إلا في تاريخ التتار الوحوش وفي تاريخ الاضطهاد الديني ومحاكم التفتيش في العالم المسيحي القديم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.


نتابع معكم تدوينة قادمة إن شاء الله
تابع القراءة ....

دكتور محمد حبيب يكتب هذه المقالة الرائعة والبديعة عن الإمام البنا





كتب دكتور محمد حبيب هذه المقالة الرائعة والبديعة عن الإمام البنا ونشرت اليوم بجريدة المصرى اليوم يقول دكتور حبيب :


كنت قد قررت بينى وبين نفسى أن أبتعد عن أى تعليق على مسلسل «الجماعة» للأستاذ وحيد حامد، الذى يعرض فى هذه الأيام فى عدة قنوات تليفزيونية، ومازلت ملتزما بهذا القرار.. صحيح نحن نتعرض لإلحاح شديد من قبل بعض المراسلين والصحفيين كى ندلى بدلونا حول المسلسل، لكن ما تم بثه حتى الآن لا يفى بتقويم موضوعى ومنصف، بغض النظر عما أثير.. كنت حريصا على متابعة الحلقات، لكنى شُغلت عنها ببعض الأعمال، ولم أر للأسف سوى خمس حلقات.. غير أن هناك بعض النقاط المهمة التى يمكن أن نلفت الانتباه إليها لعلها تفيد القارئ الكريم إن كان من مشاهدى المسلسل، أو حتى من قارئى التعليقات عليه.


أولا: لم يكن الإمام البنا تصادميا فى أى مرحلة من مراحل حياته، بل كان أهم ما يميزه سلاسته وسهولته ولينه ورقته وإنسانيته الرفيعة.. كان محاورا من طراز فريد، محاورا لبقا عميقا مرنا، قوى الحجة، حاضر البديهة واسع الأفق، عالما فقيها، بصيرا بمداخل النفس البشرية ونوازعها.. كان ذا أريحية عالية وأدب جم وخلق قويم وذوق رفيع.


ثانيا: كان الأستاذ الإمام زاهدا، متواضعا، ورعا، تقيا، نقيا، منيبا، عابدا، متبتلا، صواما، قواما، موصولا بالله، مرتبطا بالآخرة..أسره القرآن واستولى على قلبه وجنانه، فكان ينساب على لسانه كما ينساب الماء رقراقا فى الجداول، وكانت له فيه نظرات وتأملات كأنها الفتوحات.


ثالثا: أُشرب الإمام حب أهله ومجتمعه ووطنه وأمته.. شغلته وأهمته قضية الاستقلال، وأقلقته وأرّقته مشكلة النهوض الحضارى للأمة، وأوجعت قلبه وأسالت مدامعه معاناة التعساء والبسطاء من بنى وطنه.


رابعا: آمن الإمام البنا بأن الإسلام هو رسالة الله إلى الناس كافة، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وأنه نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا، السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة، وكما أنه دين فهو حضارة ينعم فى ظلها الجميع، مسلمين وغير مسلمين، بالعدل والحرية والمساواة والأمن والطمأنينة والسلام، وأن نهضة شعوبنا ورقيها وتقدمها لن تتحقق إلا من خلال الإسلام.


خامسا: لم يكن الإمام البنا مهتما بتأليف الكتب أو التصانيف، أو عمل الدراسات والبحوث، وهى مهمة وضرورية لاشك، وكان رحمه الله قادرا على أن يبرز فيها، لكن اهتمامه الأول كان منصبا على إيقاظ الشعب وإحياء الأمة من خلال تربية رجال يحملون الأمانة ويقومون بالتبعة عبر فكرة سليمة ومنهج واضح وهدف محدد، ومن هنا كانت عبقرية التأصيل الفكرى والحركة المنهجية والتنظيم الدقيق والتكوين المحكم والبناء الشامخ.. من هنا كانت عبقرية التنظيم الهرمى الذى سبق به العالم المتقدم آنذاك، على الأقل بخمس عشرة سنة.


سادسا: كان الأستاذ الإمام ذا نظرة متوازنة، معتدلة، شاملة، كاملة، لديه فقه رصين بالواقع الذى تحياه الأمة، وما يتطلبه ذلك من تحديد واضح لفقه التوازنات والأولويات والمآلات، واهتمام بالأصول لا الفروع، والكليات لا الجزئيات، وهكذا.. كان يفقه تلك المقولة الخالدة للصدّيق رضى الله عنه: «واعلموا أنه لا تقبل لكم نافلة حتى تؤدوا الفريضة».


سابعا: كان الإمام منفتحا على الجميع، يجمع ولا يفرق، يوحد ولا يشتت، يبشر ولا ينفر، ييسر ولا يعسر، يؤمن بأن الإصلاح يأتى من داخل الأنظمة، وليس من خارجها، وذلك عن طريق خطوات ومراحل متدرجة تبدأ بالفرد، فالأسرة، فالمجتمع الذى يفرز الحكومة المعبرة بحق وصدق عن إرادته الحرة.


ثامنا: لقد وضع الإمام البنا القواعد والأصول، من خلال فهمه العميق والدقيق للكتاب والسنة، وسيرة السلف الصالح، والسنن الإلهية، مستفيدا ومستوعبا تجارب الأقدمين والمحدثين، وكان له اجتهاده وفق متطلبات العصر، وفى ظل سياق ومناخ عام معين، محلى وإقليمى ودولى، فى السياسة والاقتصاد والاجتماع.. ومع المتغيرات التى طرأت والمستجدات التى ظهرت، لا بأس أن يكون لنا اجتهادنا فى الفروع، مادام يتم عبر المؤسسات الشورية المعتمدة بشكل صحيح وسليم، ودون إخلال بالقواعد والأصول.


تاسعا: هناك فارق كبير بين أن تتكون صورة ذهنية معينة عن شخص أو مجموعة أشخاص من خلال كلمة مكتوبة، وبين أن تتكون هذه الصورة عبر معايشة، فى الحالة الثانية تكون الصورة أقرب إلى الحقيقة والواقع.. ثمة أمر آخر على قدر كبير من الأهمية، هو أن هناك أشياء لم تكتب ولم تدون بعد، وقد سمعنا من حواريى وتلامذة الأستاذ الإمام حكايات وروايات مذهلة جسدت صورة ما كان لها أن تتكون فى الذهن من خلال القراءة فقط.. لذا كنت أتمنى من الأستاذ وحيد حامد أن لو أعطى لنفسه فرصة الاستماع لكل الأطراف.. نعم كان ذلك يتطلب وقتا وجهدا، لكن الفائدة من ورائه ستكون عظيمة، وسيكون المستفيد الأكبر هو المشاهد، هو الرأى العام.


عاشرا: أرجو من الإخوان ألا ينزعجوا أو تضيق صدورهم بما شاهدوا أو سوف يشاهدون، وأن يتريثوا حتى نهاية المسلسل حتى يكون التقويم شاملا، ومن الجوانب كافة، وأن يضعوا فى اعتبارهم ما يلى:


١- أن رصيد هذه الدعوة فى قلب وذاكرة ووعى الأمة هو رصيد عظيم، تماما كالجبل الراسخ، لا يمكن أن ينال منه معول أيا كان حجمه ووزنه وأيا كانت شراسته وضراوته.. صحيح هناك قطاع من الناس سوف يتأثر، لكن الغالبية من الناس لديها حس سياسى وذكاء اجتماعى يستطيع أن يميز بين ما هو صالح وطالح.. وفى تصورى أن هذا المسلسل سوف يضيف إلى رصيد الجماعة ولا يخصم منه لأسباب كثيرة ليس هنا مقام ذكرها.


٢- أن هذا المسلسل قطع السبيل على من يصف الجماعة بـ«المحظورة»، وصارت الجماعة، بغض النظر عما يقال فى شأنها، متابعة من الأمة كلها.


٣- سوف تكون هناك برامج حوارية على مستوى كثير من القنوات الفضائية، وسوف يدعى إليها بطبيعة الحال الإخوان المسلمون.. لذا أرجو أن يكونوا جاهزين بالعلم والموضوعية والإنصاف والرصانة.


٤- لا ينبغى أن نلقى بالاً لمسألة اختيار توقيت بث المسلسل وأن ذلك سوف تكون له آثاره على الانتخابات القادمة.. وأتساءل: من قال إنها سوف تكون آثارا سلبية؟ ومنذ متى كانت الانتخابات التى تجرى على أرض المحروسة نزيهة أو شبه نزيهة بحيث يقال إن محاولات تشويه الصورة سوف تؤثر سلبا على حقنا؟






إن الإمام المجدد حسن البنا كان فردا، لكنه ليس كباقى الأفراد.. كان فى ذاته أمة.. فالناس كما جاء فى الحديث «كإبل مائة لا تكاد تجد فيهم راحلة».. اجتمع له من الخصائص العبقرية والصفات الفذة ما أهله للقيام بدور من أعظم الأدوار، لا أقول فى تاريخ مصر الحديث ولكن فى تاريخ العرب والمسلمين، بل فى تاريخ البشرية فى هذه الحقبة المهمة من عمر الزمان.. إن من الرجال من يصنعهم الله على عينه.. ومنهم من تصنعه الأحداث وتكشف عنه المواقف..ومنهم من تتلقفه يد الإعداد والتربية فتهيئه لصناعة التاريخ.. كان الإمام البنا عالما، فقيها، ملهما، عبقريا، مبدعا، قائدا، زعيما، سياسيا، مربيا..


كان هذا كله، لكنه قبل ذلك وبعده كان ربانيا، فى خواطره وأفكاره وسلوكياته وأخلاقه وتعاملاته وحركاته وسكناته.. أخلص قلبه كله لله.. عاش له ومعه، ركن إلى جنبه، استعان به وتوكل عليه.. فكان الله تعالى له.. كان من هذا الصنف الذى يصنعه الله على عينه.. فى يناير من عام ١٩٩٢ كنت فى بيروت وأتيحت لى فرصة أن ألتقى العلامة محمد حسين فضل الله الذى رحل عن دنيانا منذ أشهر قليلة.. استمر اللقاء حوالى ساعة تقريبا، تحدث فى نصفها الأول عن الأستاذ الإمام المجدد حسن البنا، وقال- فيما أذكره- إنه سبق عصره بنصف قرن من الزمان.


من أسف أننى لم أر الإمام، فقد كان عمرى ست سنوات وقت استشهاده، لكنى عشت دهرا طويلا مع من عايشوه واغترفوا من فضله وعلمه وفقهه وروحه.. تحدثوا عنه كما العشاق المتيمين.. أحبوه حبا ملك عليهم شغاف قلوبهم.. ولم لا وقد رأوا فيه كل جليل وجميل ونبيل؟ قال أحدهم: لقد أدركنا من خلاله كيف كان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم يحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وقد حكى لى أحد علمائنا الأفاضل أن أحد التابعين قال لواحد من الصحابة: لو كنا مكانكم ما تركنا رسول الله يمشى على الأرض..


ثم استطرد قائلا: كنا حملناه على أعناقنا.. قال عالمنا: وهذا يدل على أن محبة الصحابة لرسول الله كانت أعظم من محبة التابعين له.. قلت: لعلى فهمت العكس.. قال: لا.. قلت: كيف؟ قال: لأن الصحابة هم الذين علموا التابعين كيف تكون عظمة المحبة، وجلال المحبة، وروعة المحبة!.. سألت يوما عمنا وشيخنا الحاج عباس السيسى رحمه الله، وهو من أظرف ظرفاء الإخوان وصاحب ألطف وأرق وأمتع رسالة قرأتها وهى «الذوق سلوك الروح»، سألته أن يصف لى الأستاذ الإمام فى كلمة، فقال: «الرجل المتوهج»، قرأتها للكاتب الأديب أحمد بهجت يصف بها الإمام.


لقد أشعل الإمام البنا فى قلبى وهج الإيمان، وأنار عقلى وبصيرتى بالفهم الدقيق والعميق للإسلام، وساقنى الله عن طريقه إلى درب الهداية والاستقامة والرشاد.. أشعر أن ولادتى بدأت مع فكر الأستاذ الإمام الذى ضمنه مجموعة الرسائل، مذكرات الدعوة والداعية، ومقالاته الثرية، فضلا عن خواطره المتألقة حول معانى القرآن الكريم.. قرأت بعد ذلك عشرات من أمهات الكتب لأئمة أعلام، فما زادنى ذلك إلا اقتناعا بعظمة الإمام.. قبل ذلك لم تكن هناك حياة بالمعنى الحقيقى للحياة.. كانت عدما، بلا هدف واضح ولا رسالة محددة ولا مضمون له قيمة ولا روح لها نصيب من التوثب أو الترقى..


مع الأستاذ الإمام انتقلت إلى العالم الرحب الفسيح.. إلى الحياة مع الله.. مع الآخرة.. مع الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.. مع المصطفين الأخيار.. مع الشهداء الأبرار.. استطعت أن أطوى صفحة ضيقة وفارغة من حياتى، لأبدأ صفحة بل صفحات أخرى جديدة، شديدة الاتساع وغاية فى العمق، حياة لها قيمة ومعنى ووزن.. لم يكن الإمام البنا مجرد عالم أو فقيه، أو داعية كبقية الدعاة.. كان روحا وثابة، وجدانا متألقا، ومشاعر فياضة تتسلل فى رقة وعذوبة إلى عقلك وقلبك ووجدانك.. كان وهجا يفتح لك آفاق الدنيا بسهولة وسلاسة ويسر، ويأخذ بيدك فى رفق وحنان وعزم وقوة ليدلك على البداية الحقيقية للسيادة والسعادة.


لقد تجلّت عبقرية الأستاذ البنا فى استيعابه مجموعة من الدوائر المتشابكة والمتداخلة والمعقدة، الدائرة العالمية، دائرة العالم العربى والإسلامى، دائرة مصر، ودائرة الإخوان.. وبالرغم من كثرة التفاصيل إلا أن كل دائرة من هذه الدوائر كان لها حظها ونصيبها فى عقل وقلب الإمام.. كانت له رؤيته الثاقبة وثقافته الموسوعية وإحاطته الشاملة بما يجرى على مستوى العالم، وما يموج فيه من تيارات سياسية وفكرية ومذهبية وأيديولوجية وفلسفية وبؤر ساخنة وصراعات دموية.. ينظر إلى العالم أفقيا ورأسيا وكأنه يقرأ من كتاب مفتوح.. وهو فى الوقت ذاته مطلع على أحوال العالم العربى والإسلامى بكل ما فيه من مآس وآلام وأحزان، من انحسارات وانكسارات أفقدته ثقته بنفسه وجعلته ألعوبة فى يد غيره، من تخلف علمى وفكرى وجهل ثقافى ومعرفى ومرض بدنى ونفسى ووجدانى، من أزمات ومشكلات، وما يواجهه من تحديات ويفرض عليه من تبعات.. ثم هو دارس وملم بكل تفاصيل المجتمع المصرى من حيث مكامن قوته ونقاط ضعفه فى شتى المناحى، وعلى دراية كاملة بكل ما يحدث على ساحاته الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.. وهو بعد ذلك، أو قبل ذلك، يقوم بهذا العمل الفذ فى تنشئة الإخوان والارتقاء بهم، علميا وفقهيا وروحيا وأخلاقيا، تنظيما وحركة.. إلخ..


كان يعرف من أين يبدأ، فى أى طريق يسير، وإلى أى هدف يتجه.. زودته العناية الربانية بطاقة إيمانية هائلة، وهمة عالية، وإرادة صلبة، وحركة لا تهدأ، وقلب رقيق، وعاطفة جياشة، وحس مرهف، ونفس أبية، وذهن متوقد، وذاكرة مذهلة، وعقل راجح، وحكمة بالغة.. لم يكن ينم سوى ساعتين أو ثلاث على الأكثر فى اليوم والليلة، ثم هو يعمل طول الوقت دون كلل أو ملل، كأنه فى سباق مع الزمن.. وهكذا شأن العباقرة الأفذاذ دائما.. أتته الشهادة التى كان يرجوها، وهو مازال بعد فى الثالثة والأربعين من عمره، وأبى كارهوه والحاقدون عليه أن تكون له جنازة، ولم يقم بتشييعه إلى مثواه الأخير سوى النساء.. رجل واحد فقط هو الذى جاء فى وداعه.. مكرم عبيد!


كان الأستاذ الإمام يعرف كل الإخوان، صغيرهم وكبيرهم، من فى الإسكندرية ومن فى أسوان، من فى المدينة ومن فى القرية.. ثم هو على وعى بكل أوضاعهم وأحوالهم.. من التقاه مرة فى حياته، وإن كان من عامة الناس، لم يحتج ولو بعد سنوات أن يسأله عن اسمه أو حاله ومن أين هو.. فى يوم من الأيام علم أن أخا فى إحدى القرى اعتزل إخوانه بسبب مشكلة بينهم.. ذهب إليه وكان أول ما سأل عنه.. بقرته التى يعتمد عليها، بعد الله تعالى، فى معاشه.. أليس ذلك عجيبا؟


كان لدى الإمام سحره وجاذبيته وقدرته الفائقة على مخاطبة الجماهير، فلا يمل سامعه، ولو مكث ساعات طويلة، بل يعطيه لبه ومشاعره.. كما كانت إمكاناته هائلة فى صياغة أعظم المعانى بعبارات موجزة وكلمات بسيطة، كان أسلوبه سهلا ممتنعا.. له وصايا عشر موجزة، كل الايجاز، لكنها تعد من أجمل وأروع ما كتب فى الدعوة والتربية والاجتماع والسياسة.. انظر إلى وصيته التى يقول فيها: «الواجبات أكثر من الأوقات فعاون أخاك على الانتفاع بوقته، وإن كانت لك مهمة فأوجز فى قضائها».. وانظر أيضا إلى هذه الوصية: «لا تكثر من الجدل فى أى شأن من الشؤون، فإن المراء لا يأتى بخير».. ثم انظر إلى وصيته: «تعرف على من تلقاه من إخوانك، فإن أساس دعوتنا الحب والتعارف»..


وتأمل هذه الوصايا: «قم إلى الصلاة متى سمعت النداء مهما تكن الظروف».. «لا تكثر من الضحك فإن القلب الموصول بالله ساكن وقور».. «تجنب غيبة الأشخاص وتجريح الهيئات، ولا تتكلم إلا بخير».. لقد كان رحمه الله لطيفا ظريفا، لا يجد غضاضة فى مداعبة إخوانه.. حكى لى الأستاذ محمد حامد أبوالنصر رحمه الله، الذى صار مرشدا فيما بعد، أن الإمام البنا نزل عليه ضيفا فى بيته بمنفلوط.. فى الصباح وبعد أن تناولا الإفطار، سأله الأستاذ أبوالنصر: فضيلتكم..تحب الشاى بمفرده واللبن بمفرده، أم نخلطهما معا؟ رد الإمام باسما ولكن بحسم: اسمع يا سيد محمد.. أنا لا أحب الخلط.. الشاى بمفرده واللبن كذلك.


رحم الله الأستاذ البنا وجمعنا به فى عليين، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
تابع القراءة ....

كتبوا عن الامام البنا

بقلم: د. كامل عبد الفتاح باحث في تاريخ مصر الحديث والمعاصر



تميَّز الإمام حسن البنا "رحمه الله" بسعة الاطلاع، وعمق الفكرة والقدرة التنظيمية الهائلة التي شغلته عن التأليف، فلم يخرج كتبًا وتصانيف بل ربَّى الرجال وجدَّد الدين، وتُعد الرسائل أشهر ما كتبه الإمام؛ حيث جمعها إخوانه في كتاب يشهد بغزير العلم ورسوخ القدم وحسن التدبر واستيعاب لأحداث التاريخ.


وقد اعتمد البنا في رسائله على القرآن والسنة وأكثر من الاستشهاد بالآيات والأحاديث بغزارة تُحسب له، كما استأنس بالتاريخ في كثير من المواضع؛ حيث وظَّف الأحداث والإشارات التاريخية التي أوردها لتخدم المعنى الذي يريده، وندر اعتماده على السرد التاريخي، بل كان يأتي بإشارة تاريخية معينة في موضع معين لتعميق الفكرة وإبرازها للمتلقي.


ففي رسالة الإخوان تحت راية القرآن بدأ بعد حمد الله بقوله: "على ضوء الدعوة الأولى" في إشارة واضحة إلى دعوة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم تدل على اتِّباعه للسنة واسترشاده بالسيرة النبوية.


ثم أوضح مهمة الإخوان وهي؛ بناء الفرد المسلم، والبيت المسلم، والشعب المسلم، والحكومة المسلمة، والدولة التي تقود الدول الإسلامية، وتضم شتات المسلمين، وتستعيد مجدهم، وترد عليهم أرضهم المفقودة وأوطانهم المسلوبة وبلادهم المغصوبة، ثم تحمل علم الجهاد ولواء الدعوة إلى الله؛ حتى تسعد العالم بتعاليم الإسلام.


وحفَّز جماعته بالحديث عن صدق إيمان الصحابة؛ "فهم الجماعة التي وقع عليها اختيار القدر لإنقاذ العالمين، وكتب لهم الفضل بذلك، فكانوا خير أمة أُخرجت للناس، لقد سمعوا المنادي ينادي للإيمان فآمنوا، ونحن نرجو أن يحبِّب الله إلينا هذا الإيمان، ويزينه في قلوبنا كما حبَّبه إليهم وزيَّنه من قبل في قلوبهم.. فالإيمان أول عدتنا".


شرح العقائد


وفي رسالة العقائد بعد أن شرح العقيدة من القرآن والسنة، ذكر شهادات تاريخية لعلماء أوروبيين في إثبات وجود الله تعالى والإقرار بكمال صفاته؛ لا تأييدًا للعقيدة، ولكن إثباتًا لاستقرارها في النفوس.


1- قال ديكارت العالم الفرنسي: (إني مع شعوري بنقص ذاتي أحس في الوقت نفسه بوجود ذات كاملة، وأراني مضطرًا للاعتقاد بأن هذا الشعور قد غرسته في ذاتي تلك الذات الكاملة المتحلية بجميع صفات الكمال، وهي: الله)، فهو يثبت في كلامه هذا ضعف نفسه ونقصها، ووجود الله وكماله، ويعترف بأن شعوره وإحساسه هبة من الله له وفطرة فيه، ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ (الروم: من الآية 30).


2- وقال إسحاق نيوتن العالم الإنجليزي الشهير، ومكتشف قانون الجاذبية: (لا تشكّوا في الخالق فإنه مما لا يعقل أن تكون المصادفات وحدها هي قائدة هذا الوجود).


3- وقال هرشل الفلكي الإنجليزي: (كلما اتَّسع نطاق العلم ازدادت البراهين الدامغة القوية على وجود خالق أزلي لا حد لقدرته ولا نهاية، فالجيولوجيون والرياضيون والفلكيون والطبيعيون قد تعاونوا على تشييد صرح العلم، وهو صرح عظمة الله وحده).


4- وقال لينيه، كما نقله عنه كاميل فلامريون الفرنسي في كتابه المسمى (الله في الطبيعة):


(إن الله الأزلي الأبدي العالم بكل شيء والمقتدر على كل شيء، قد تجلى لي ببدائع صنعه حتى صرت مندهشًا مبهوتًا، فأي قدرة وأي حكمة وأي إبداع أبدعه في مصنوعاته! سواء في أصغر الأشياء أو أكبرها! إن المنافع التي نستمدها من هذه الكائنات تشهد بعظمة رحمة الله الذي سخَّرها لنا، كما أن كمالها وتناسقها ينبئ بواسع حكمته، وكذلك حفظها عن التلاشي وتجددها يقر بجماله وعظمته).


5- وقال هوبرت سبنسر الإنجليزي في هذا المعنى في رسالته في التربية: (العلم يناقض الخرافات، ولكنه لا يناقض الدين، يوجد في شيء كثير من العلم الطبيعي الشائع روح الزندقة، ولكن العلم الذي تجاوز المعلومات السطحية، ورسب في أعماق الحقائق، براء من هذه الروح، العلم الطبيعي لا ينافي الدين، والتوجه للعلم الطبيعي عبادة صامتة واعتراف صامت بنفاسة الأشياء التي تعاين وتدرس، ثم بقدرة خالقها، فليس ذلك التوجه تسبيحًا شفهيًّا، بل هو تسبيح عملي، وليس باحترام مُدّعى، إنما هو احترام أثمرته تضحية الوقت والتفكير والعمل، وهذا العلم لا يسلك طريق الاستبداد في تفهيم الناس استحالة إدراك السبب الأول وهو الله، ولكنه ينهج بنا النهج الأوضح في تفهيمنا الاستحالة، بإبلاغنا جميع أنواع الحدود التي لا يُستطاع اجتيازها، ثم يقف بنا في رفق وهوادة عند هذه النهاية، وهو بعد ذلك يرينا بكيفيةٍ لا تعادل صغر العقل الإنساني إزاء ذلك الذي يفوت العقل…)، ثم أخذ يضرب الأمثلة على ما يقول فقال: (إن العالم الذي يرى قطرة الماء فيعلم أنها تتركب من الأكسجين والهيدروجين بنسبة خاصة؛ بحيث لو اختلفت هذه النسبة لكانت شيئًا آخر غير الماء، يعتقد عظمة الخالق وقدرته وحكمته وعلمه الواسع بأشد وأعظم وأقوى من غير العالم الطبيعي الذي لا يرى فيها إلا أنها قطرة ماء فحسب، وكذلك العالم الذي يرى قطعة البرَد فيرى تحت مجهره ما فيها من جمال الهندسة ودقة التقسيم، لا شك أنه يشعر بجمال الخالق ودقيق حكمه أكبر من ذلك الذي لا يعلم عنها إلا أنها مطر تجمَّد من شدة البرد).


وفي ذلك دليل قاطع على سعة اطلاعه "رحمه الله"، وزيادة معرفته التاريخية، واستخدام التاريخ في إثبات رؤيته.


صفات الله تعالى


وعند الحديث عن صفات الله تعالى بعد أن شرح المسألة وبيَّن مواضع الخلاف، نجده يقوم بترجيح مذهب السلف قائلاً: (ونحن نعتقد أن رأي السلف من السكوت وتفويض علم هذه المعاني إلى الله تبارك وتعالى أسلم وأولى بالاتباع؛ حسمًا لمادة التأويل والتعطيل، وقال: وقد لجأ أشد الناس تمسكًا برأي السلف، رضوان الله عليهم، إلى التأويل في عدة مواطن، وهو الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، من ذلك تأويله لحديث: "الحجر الأسود يمين الله في أرضه"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "إني لأجد نفس الرحمن من جانب اليمن".


ثم ختم البحث بقوله: "وخلاصة هذا البحث أن السلف والخلف قد اتفقا على أن المراد غير الظاهر المتعارف بين الخلق، وهو تأويل في الجملة، واتفقا كذلك على أن كل تأويل يصطدم بالأصول الشرعية غير جائز، فانحصر الخلاف في تأويل الألفاظ بما يجوز في الشرع، وهو هين كما ترى، وأمر لجأ إليه بعض السلف أنفسهم، وأهم ما يجب أن تتوجه إليه همم المسلمين الآن توحيد الصفوف، وجمع الكلمة ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، والله حسبنا ونعم الوكيل)..


وبذلك يكون البنا قد حسم الخلاف في العقيدة عن طريق البحث في المواقف التاريخية لعلماء السلف.


تبسيط علم الحديث


وأما عن علم الحديث فكتب البنا عن الرواية والإسناد، وميَّز بين الإسناد والمتن، ثم أوضح أن الإسناد من خصائص الأمة الإسلامية، قائلاً: ولم يؤثر عن أمة من الأمم العناية برواة أخبارها وكتبها، ومأثورات أنبيائها كما عرف ذلك عن هذه الأمة الإسلامية التي عنيت بهذه الناحية أتم العناية، حتى إن اهتمامها بالأسانيد والرواة لم يقف عند حد العلوم الشرعية، بل تعداها إلى العلوم الأدبية والأخبار التاريخية وغيرها، وإن كان في الحديث النبوي وما إليه أدق وأوضح.


ثم دلَّل على جودة الحفظ وسرعته ودقته وكثرته عند أئمة الحديث: "ولقد اشتهر الكثير منهم حتى كانوا أعاجيب الدنيا في هذه المعاني؛ ومنهم أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري الذي رُوي عنه في ذلك الغرائب المدهشة منذ كان غلامًا حتى لقي ربه، وقال حامد بن إسماعيل وآخر: (كان البخاري يختلف معنا إلى السماع وهو غلام، فلا يكتب، حتى أتى على ذلك أيام فكنا نقول له، فقال: إنكما قد أكثرتما علي فاعرضا عليَّ ما كتبتما، فأخرجنا إليه ما كان عندنا، فزاد على خمسة عشر ألف حديث، فقرأها كلها عن ظهر قلب حتى جعلنا نحكم كتبنا من حفظه. ثم قال: أترون أني أختلف هدرًا وأضيع أيامي؟ فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد).


وقال محمد بن أبي حاتم: سمعت سليم بن مجاهد يقول: (كنت عند محمد بن سلام البيكندي فقال لي: لو جئت قبل لرأيت صبيًّا يحفظ سبعين ألف حديث، قال: فخرجت في طلبه فلقيته، فقلت: أنت الذي تقول: أنا أحفظ سبعين ألف حديث؟


فقال: نعم وأكثر، ولا أجيئك بحديث عن الصحابة أو التابعين إلا عرفت مولد أكثرهم ووفاتهم ومساكنهم، ولست أروي حديثًا من حديث الصحابة أو التابعين إلا ولي في ذلك أصل أحفظه حفظًا من كتاب الله أو سنة رسول الله "صلى الله عليه وسلم").


ومن ذلك الحادثة المشهورة التي يرويها ابن عدي فيقول: (سمعت عدة مشايخ يحكون أن البخاري قدم بغداد، فاجتمع أصحاب الحديث، فعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا لإسناد هذا، وإسناد هذا لمتن هذا"، ودفعوا إلى كل واحد عشرة أحاديث ليلقوها على البخاري في المجلس، فاجتمع الناس، وانتدب أحدهم، فقام وسأله عن حديث؛ فقال: ألا أعرفه، فسأله عن آخر. فقال: لا أعرفه، حتى فرغ من العشرة، وفعل مثل ذلك مع من بقي من المشايخ، لا يزيدهم على قوله: لا أعرفه.


حتى إذا فرغوا، التفت إلى الأول فقال: أما حديثك الأول فإسناده كذا وكذا، والثاني كذا وكذا، والثالث إلى آخر العشرة، فردّ كل متن إلى إسناده، وفعل بالثاني مثل ذلك إلى أن فرغ.. فأقر له الناس بالحفظ والتقدم)، لقد أكد البنا صدق كتاب صحيح البخاري بما رواه من تاريخه وسعة حفظه.


الدعاء


وفي رسالة مناجاة تحدَّث عن الدعاء، وبعد أن أوضح فكرته من القرآن والسنة أورد من الدعاء المأثور عن السلف رضوان الله عليهم وحالهم في دعائهم حتى يُقتدى بهم، فذكر ما ورد عن ضرار الصدائي في وصف علي رضي الله عنه إذ يقول: يستوحش من الدنيا وزخرفها، ويأنس بالليل ووحشته، وأشهد لقد رأيته وقد أرخى الليل سدوله وغابت نجومه واقفًا في محرابه قابضًا على لحيته يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، ويقول: (يا دنيا غرّي غيري، إليّ تعرضتّ، أم إليّ تشوّقت، هيهات هيهات، قد باينتك ثلاثًا لا رجعة فيها، فعمرك قصير، وحسابك عسير، وخطرك حقير، آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق).


وما روي أن عمر رضي الله عنه كان يمر بالآية من ورده بالليل فيتأثر بها، ويحسب في المرضى..


وأن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان إذا هدأت العيون، قام فيسمع له بالقرآن دوي كدوي النحل… وكان ذلك دأب الصحابة جميعًا رضوان الله عليهم. وسئل الحسن: ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوهًا؟ قال: لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نورًا من نوره.


وقال الربيع: بتّ في منزل الشافعي رضي الله عنه ليالي كثيرة، فلم يكن ينام من الليل إلا يسيرًا، وكان ذلك دأب الأئمة رضوان الله عليهم كذلك.. وتلا مالك بن دينار في ورده قول الله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)﴾ (الجاثية)، فأخذ يردِّدها حتى أصبح.. وقال المغيرة بن حبيب رافقت مالك بن دينار ليلة فقام إلى الصلاة فقبض على لحيته فخنقته العبرة فجعل يقول: اللهم حرّم شيبة مالك على النار، إلهي قد علمت ساكن الجنة من ساكن النار فأي الرجلين مالك وأي الدارين دار مالك؟ فلم يزل ذلك قوله حتى طلع الفجر.


ورُؤي الجنيد بعد موته، فقيل له ما فعل الله بك يا أبا القاسم؟ فقال: (بليت الرسوم، وغابت العلوم، وانمحت العبارات، وطاحت الإشارات وما نفعنا إلا ركيعات، كنا نركعها في جوف الليل).


ومن وصايا لقمان لابنه: (يا بني.. لا يكونن الديك أكيس منك، ينادي بالأسحار وأنت نائم).


ولقد كانوا رضوان الله عليهم يجدون في كثرة القيام وحلاوة المناجاة أنسًا وراحةً تنسيهم عناء الأجسام وتعب الأقدام.. قال أبو سليمان الداراني رضي الله عنه: (أهل الليل في ليلهم أروح من أهل اللهو في لهوهم، ولولا قيام الليل ما أحببت البقاء في الدنيا، ولو عوَّض الله أهل الليل من ثواب أعمالهم ما يجدون من اللذة لكان ذلك أكثر من هذه الأعمال).


وقال بعضهم: (ليس في الدنيا وقت يشبه نعيم الآخرة إلا ما يجده أهل القيام في قلوبهم من حلاوة المناجاة).. وقال محمد بن المنكدر رضي الله عنه: (ما بقي من لذات الدنيا إلا ثلاث: قيام الليل، ولقاء الإخوان، والصلاة في الجماعة)… وقال بعض الصالحين: (منذ أربعين سنة ما أحزنني شيء إلا طلوع الفجر)… وقال بعضهم: (إن الله تعالى ينظر بالأسحار إلى قلوب المتيقظين فيملؤها نورًا، فترد الفوائد على قلوبهم، ثم تنتشر منها إلى قلوب الغافلين).


ومن وصف عليّ كرم الله وجهه للمتقين: (أما الليل فصافون أقدامهم تالون لأجزاء القرآن يرتلونه ترتيلاً، يحزنون به أنفسهم ويستثيرون دواء دائهم، إذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعًا، وتطلعت نفوسهم إليها شوقًا، وظنوا أنها نصب أعينهم، وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم وظنوا أن زفير جهنم وشهيقها في أصول آذانهم، فهم حانون على أوساطهم مفترشون لجباههم وأكفهم وأطراف أقدامهم، لا يرضون من أعمالهم القليل، ولا يستكثرون الكثير، فهم لأنفسهم متهمون ومن أعمالهم مشفقون).


ثم قال كذلك كانوا- أيها الأخ- فاسلك سبيلهم وانهج نهجهم أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده.


ولكي يؤلف القلوب أورد أدعية مأثورة من مناجاة ابن عطاء الله السكندري والسيد أحمد الرفاعي والسيد أحمد بن إدريس وأبي الحسن الشاذلي، والإمام الشافعي رضي الله عنه.


إنه الوعي بالتاريخ، وحسن توظيفه في بناء الجماعة، وتربية الأفراد، ومناقشة المخالفين، ونشر الفكرة، وإثبات سلفية دعوة الإخوان.
تابع القراءة ....

FeedBurner FeedCount