أبلغ رد على الصورة الهزلية التى صورها وحيد حامد للإمام البنا فى مسلسله الهزلى الجماعة موضوع تعبير أو إنشاء كتبه الشيخ حسن البنا وهو طالب وأنقل هذا الجزء من مذكرات الدعوة والداعية :
كان أستاذنا الشيخ أحمد يوسف نجاتي -جزاه الله خيراً- مغرماً بالموضوعات الدسمة بالإنشاء، وله معنا نكات وتعليقات ظريفة طريفة في هذه المعاني. ومن كلماته المأثورة، حين كان يمل تصحيح هذه المطولات، أن يقول، والكراسات على يده ينوء بحملها كما ناء طول ليله بتصحيحها: “ خذوا يا مشايخ! وزعوا ما تزعمونه إنشاء. عليكم بالقصد يا قوم فالبلاغة الإيجاز. والله إني لا أشبر الإنشاء ولا أذرعه” ونضحك ونوزع الكراسات.
ومن الموضوعات التي أتحفنا بها بمناسبة آخر العام الدراسي، وكان بالنسبة لي ولفرقتي، العام النهائي سنة 1927 الميلادية، هذا الموضوع: “ اشرح أعظم آمالك بعد إتمام دراستك، وبين الوسائل التي تعدها لتحقيقها”.
وقد أجبت عنه بهذا الموضوع:
“ أعتقد أن خير النفوس تلك النفس الطيبة- التي ترى سعادتها في إسعاد الناس وإرشادهم، وتستمد سرورها من إدخال السرور عليهم، وذود المكروه عنهم، وتعد التضحية في سبيل الإصلاح العام ربحاً وغنيمة، والجهاد في الحق والهداية – على توعر طريقهما، وما فيه من مصاعب – ومتاعب – راحة ولذة، وتنفذ إلى أعماق القلوب فتشعر بأدوائها، وتتغلغل في مظاهر المجتمع، فتتعرف ما يعكر على الناس صفاء عيشهم ومسرة حياتهم، وما يزيد في هذا الصفاء، ويضاعف تلك المسرة، لا يحدوها إلى ذلك إلا شعور بالرحمة لبني الإنسان، وعطف عليهم، ورغبة شريفة في خيرهم، فتحاول أن تبرئ هذه القلوب المريضة، وتشرح تلك الصدور الحرجة وتسر النفوس المنقبضة لا تحسب ساعة أسعد من تلك التي تنقذ فيها مخلوقاً من هوة الشقاء الأبدي أو المادي، وترشده إلى طريق الاستقامة والسعادة !.
وأعتقد أن العمل الذي لا يعدو نفعه صاحبه، ولا تتجاوز فائدته عامله، قاصر ضئيل، وخير الأعمال وأجلها ذلك الذي يتمتع بنتائجه العامل وغيره، من أسرته وأمته وبني جنسه، وبقدر شمول هذا النفع يكون جلاله وخطره، وعلى هذه العقيدة سلكت سبيل المعلمين، لأني أراهم نوراً ساطعاً يستنير به الجمع الكثير ويجري في هذا الجم الغفير، وإن كان كنور الشمعة التي تضيء للناس باحتراقها”
“وأعتقد أن أجل غاية يجب أن يرمي الإنسان إليها، وأعظم ربح يربحه أن يحوز رضا الله عنه، فيدخله حظيرة قدسه، ويخلع عليه جلابيب أنسه، ويزحزحه عن جحيم عذابه، وعذاب غضبه. والذي يقصد إلى هذه الغاية يعترضه مفرق طريقين، لكل خواصه ومميزاته، يسلك أيهما شاء:
أولهما: طريق التصوف الصادق، الذي يتلخص في الإخلاص والعمل، وصرف القلب عن الاشتغال بالخلق خيرهم وشرهم. وهو أقرب وأسلم.
والثاني: طريق التعليم والإرشاد، الذي يجامع الأول في الإخلاص والعمل، ويفارقه في الاختلاط بالناس، ودرس أحوالهم، وغشيان مجامعهم ووصف العلاج الناجع لعللهم. وهذه أشرف عند الله وأعظم، ندب إليه القرآن العظيم، ونادى بفضله الرسول الكريم. وقد رجح الثاني – بعد أن نهجت الأول – لتعدد نفعه، وعظيم فضله، ولأنه أوجب الطريقين على المتعلم، وأجملهما بمن فقه شيئاً”لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون”.
“وأعتقد أن قومي – بحكم الأدوار السياسية التي اجتازوها، والمؤثرات الاجتماعية التي مرت بهم وبتأثير المدنية الغربية، والشبه الأوروبية، والفلسفة المادية، والتقليد الإفرنجي – بعدوا عن مقاصد دينهم، ومرامي كتابهم، ونسوا مجد آبائهم، وآثار أسلافهم، والتبس عليهم هذا الدين الصحيح بما نسب إليه ظلماً وجهلاً، وسترت عنهم حقيقته الناصعة البيضاء، وتعاليمه الحقيقية السمحة، بحجب من الأوهام يحسر دونها البصر، وتقف أمامها الفكر، فوقع العوام في ظلمة الجهالة، وتاه الشبان والمتعلمون في بيداء حيرة وشك، أورثا العقيدة فساداً، وبدلا الإيمان إلحاداً… !”.
“وأعتقد كذلك أن النفس الإنسانية محبة بطبعها، وأنه لا بد من جهة تصرف إليها عاطفة حبها، فلم أر أحدا أولى بعاطفة حبي من صديق امتزجت روحه بروحي فأوليته محبتي، وآثرته بصداقتي”
“كل ذلك أعتقده عقيدة تأصلت في نفسي جذوتها، وطالت فروعها، واخضرت أوراقها، وما بقي إلا أن تثمر، فكان أعظم آمالي بعد إتمام حياتي الدراسية أملان:
“خاص”: وهو إسعاد أسرتي وقرابتي، والوفاء لذلك الصديق المحبوب ما استطعت لذلك سبيلاً، وإلى أكبر حد تسمح به حالتي، ويقدرني الله عليه.
“وعام”: وهو أن أكون مرشداً معلماً، إذا قضيت في تعليم الأبناء سحابة النهار، ومعظم العام قضيت ليلي في تعليم الآباء هدف دينهم، ومنابع سعادتهم، ومسرات حياتهم، تارة بالخطابة والمحاورة، وأخرى بالتأليف والكتابة، وثالثة بالتجول والسياحة.
وقد أعددت لتحقيق الأول معرفة بالجميل، وتقديراً للإحسان و” هل جزاء الإحسان إلا الإحسان” ولتحقيق الثاني من الوسائل الخلقية: “ الثبات والتضحية” وهما ألزم للمصلح من ظله، وسر نجاحه كله، وما تخلق بهما مصلح فأخفق إخفاقاً يزري به أو يشينه، ومن الوسائل العملية: درساً طويلاً، سأحاول أن تشهد لي به الأوراق الرسمية، وتعرفاً بالذين يعتنقون هذا المبدأ، ويعطفون على أهله، وجسماً تعود الخشونة على ضآلته، وألف المشقة على نحافته، ونفساً بعتها لله صفقة رابحة، وتجارة بمشيئته منجية، راجياً منه قبولها، سائله إتمامها، ولكليهما عرفاناً بالواجب وعونا من الله سبحانه، أقرؤه في قوله: “ إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم”.
“ذلك عهد بيني وبين ربي، أسجله على نفسي، وأشهد عليه أستاذي، في وحدة لا يؤثر فيها إلا الضمير، وليل لا يطلع عليه إلا اللطيف الخبير” ومن أوفي بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرأ عظيما”.
ولقد أعمل الأستاذ أحمد يوسف قلمه في هذا الموضوع ببعض الإصلاحات، وأذكر أنه أعطاني فيه درجة لا بأس بها وهي سبع ونصف من عشرة.
والصديق الذي أشرت إليه في هذا الموضوع هو الأستاذ أحمد السكري الذي كان يبادلني هذا الشعور إلى درجة أنه صفي دكانه وتجارته، والتحق بالوظائف الحكومية بمجلس مديرية البحيرة حتى يتيسر لي أن أكون بالمجلس فنجتمع على أية حال، وقد حقق الله هذه الآمال بعد حين، فوظفت بوزارة المعارف وانتقل هو إليها، وجمعتنا القاهرة بعد طول انتظار.
هل رأيتم وضوح ونبل للغاية ووضوح للهدف ووسائل تحقيق هذه الأهداف كما سجله الإمام البنا رحمه الله وهو ما زال طالب فى كلية دار العلوم
التدوينة القادمة سنتعرض لتأسيس جماعة الإخوان المسلمين والتى أيضا شوهها وحيد حامد
إلى لقاء إن شاء الله
الصورة الملحقة بالموضوع صورة نادرة للإمام حسن البنا فى صلاه العشاء آخر صلاه للإمام البنا لحظات قبل اغتياله
0 التعليقات:
إرسال تعليق